مفهوم الكناية عن الموصوف تدرك أن الصفة المكني بها عنه لا بد أن يكون لها ارتباط وثيق حتى كأنه مختص بها، فلا تنصرف عنه إلى غيره حتى يكون إطلاقها إيحاء به وإيماء إليه.

ومما أريد به الكناية من هذا النوع قول الله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} (الزخرف: 18) ففي سياق الحديث عن السلوك المغلوط لمن لم يدخل الإيمان قلبه، يكشف الحق -عز وجل- عن الخطأ البين في النظرة إلى الأنثى؛ قد أعطى هذا الصنف من الناس نفسه حق تقسيم البشر، فخصوا أنفسهم بالذكور، وجعلوا الإناث للخالق، ولو جاز لهم فرضًا أن يقسموا البشر فهل يجوز إنصافًا وعدلًا أن يكون لهم حق الاختيار؟! وإن سلم بحق الاختيار فلماذا يسود وجه أحدهم إذا جاءته البشرى بميلاد من هو في زعمه نصيب لله الذي خلقه؟ أفما كان ينبغي أن تفيض نفسه فرحًا ويزداد وجهه ألقًا حين يشرق في بيته وجه من هو منسوب بزعمه إلى الله؟!

في هذا السياق لم يصرح النص القرآني بلفظ الأنثى، وإنما كنى عنه بالموصول وصلته: {بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا}، {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} واختير لفظ "ما>؛ لأنه كني به عن القسم المنسوب إلى الله، ولما أريد الفرد كنى عنه بلفظ من في قوله: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} ولا يخفَى أن هنا صفتين كني بكل منهما عن الأنثى؛ الأولى: ضرب المثل، والثانية: التنشئة في الحلية وهي الزينة، وهاتان الصفتان مختصتان بالموصوف الذي كنِّي بهما عنه، والاختصاص بضرب المثل ظاهر من خلال ما شاع في مجتمع نزل القرآن يصحح عقيدته ويصوب إلى الأمور نظرته.

أما الاختصاص بالزينة فهو أمر تراه الأجيال المتلاحقة جيلًا بعد جيل، ولا يخفى أن نسبة الصفة تظهر باستجلاء الموصوف الذي تومئ إليه هذه الصفة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015