فمسَّاهم وبُسطهم حرير ... وصبَّحهم وبسطهم تراب
ومَن في كفه منهم قناة ... كمن في كفه منهم خِضاب
يريد أن رجالهم في ضعفهم وعدم قدرتهم على الحرب والصمود كالنساء، فهنا كنَّى عن ثراء العدو وسيادته قبل أن يلقاه سيف الدولة بأنه يفترش الحرير: "وبسطهم حرير"، وكنى عن إذلاله وخضوعه بقوله: "وبسطهم تراب"، كما كنى عن الرجل في البيت الثاني بقوله: "ومَن في كفه منهم قناة"، وعن المرأة بقوله: "من في كفه منهم خضاب". والعلاقة بين المكني به والمكني عنه هي التلازم الذي يرجع في البيت الأول إلى العرف والعادات والتقاليد، فمن عادة الثري أن يفترش الحرير، ومن عادة الذليل أن يفترش التراب، ويرجع في البيت الثاني بالإضافة إلى العرف والعادات إلى خصوصيات الأفعال، فحمل السلاح يختص بالرجل، وخضاب الكف يختص بالمرأة.
وبهذا يتضح لنا أن التلازم القائم بين المعنيين -المكني به والمكني عنه- يرجع في الغالب إلى العرف الذي تعارف عليه القوم، وإلى طباع الإنسان والحيوان وطبائع الأشياء الأخرى، وإلى خصائص الأفعال، ثم إلى عادات العرب وتقاليدهم التي ألفوها.
والسؤال: إن كان ثمة علاقة تربط بين المكني به والمكني عنه، فما الفرق إذن بين الكناية والمجاز؟
الجواب: أن أسلوب المجاز يختلف عن أسلوب الكناية؛ في أن أسلوب المجاز يشتمل على قرينة تمنع من إرادة المعنى الأصلي، فقولنا: عجبت من الجيفة كيف يطغَى، مجاز مرسل علاقته اعتبار ما سيؤول إليه الإنسان بعد موته، حيث أطلق لفظ الجيفة وأريد بها الإنسان الحي والقرينة أن الجيفة يستحيل أن تطغى، وتلك القرينة تمنع إرادة المعنى الأصلي للجيفة.