كذلك يتمثل حسن الاستعارة فيما إذا كان المستعار منه نادر الحضور في الذهن عند حضور المستعار له، كاستعارة الطغيان لارتفاع الماء في قول الله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} (الحاقة: 11) وتحسن كذلك إذا كان الغرض منها محققًا كالاستعارة في قولك مثلًا: أراك تنفخ في رماد وتضرب في حديد بارد، لمن يجهد نفسه في عمل لا فائدة فيه، ومعلوم أن الاستعارة قائمة على تناسي التشبيه كما قلنا وعلى ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به، ولذا فهي تحسن عندما لا يذكر في الكلام سوى المشبه به نحو: رأيت قمرًا يتحدث.
أما إذا ذكر في الكلام ما يشتم منه رائحة التشبيه، بأن يذكر المشبه مثلًا بوجه ينبئ عن الاستعارة لا عن التشبيه؛ فإن ذلك يقلل من حسنها، ومثال ذلك قولك مثلًا: محمد أسد، ورأيت رجلًا مثل الأسد، وهذا رجل أسد، فإن هذا يبطل الاستعارة على أرجح الأقوال، ويعود بالكلام إلى التشبيه.
هذا في الاستعارة التصريحية.
أما في المكنية فمن الواضح أن يصرح فيها بلفظ المشبه، ويسند إليه لازم المشبه به، ومما يقلل من حسن الاستعارة أيضًا غموض وجه الشبه الجامع بين المستعار له والمستعار منه؛ لأن الاستعارة -كما قلنا- مبنية على تناسي التشبيه، فإذا أضيف إلى هذا التناسي غموض وجه الشبه تضاعف الخفاء وصارت الاستعارة ألغازًا وتعمية.
أما التشبيه فيحسن فيه خفاء وجه الشبه -كما مر بنا- لإمكان تقريبه بذكر المشبه أو إزالة الخفاء بذكر الوجه والتصريح به، وعليه فيجوز أن نقول: هذا الرجل كالأسد في نتن الفم مثلًا لزوال الخفاء بذكر وجه الشبه، ولا يجوز أن نقول: رأيت أسدًا ونريد رجلًا أبخر نتن الفم. ونقول: الناس كإبل ماءه لا تجد فيها