راحلة، هذا وارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا نقول: رأيت إبلًا ماءه لا أجد فيها راحلة، وتريد رجالًا كثيرين ليس بينهم إلا رجل واحد متميز بصفة الكمال، وذلك لخفاء وجه الشبه في الاستعارة، وزوال هذا الخفاء بذكر المشبه في التشبيه.
وإذا قوي وجه الشبه ووضح وضوحًا تامًّا بين المشبه والمشبه به كتشبيه العلم مثلًا بالنور في البياض والإشراق، وتشبيه الشبهة والبدعة بالظلام في السواد، فعندئذ تحسن الاستعارة ولا يحسن التشبيه؛ لأنه يصبح كتشبيه الشيء بنفسه، فيحسن أن تقول: امتلأ قلبي نورًا وتريد علمًا ومعرفةً، وتقول: صار فلان في قلبه ظُلمة، وتريد شبهة وشكًّا، ولا يحسن أن تقول: امتلأ قلبي علمًا وإيمانًا كالنور، وصار في قلب فلان شك وشبهة كالظلمة.
ونلاحظ فيما سبق أن ما عابه النقاد واستقبحوه ليست الاستعارة المكنية في حد ذاتها، وإنما هي الاستعارة التخييلية أي: إثبات لازم المشبه به للمشبه، وكأنهم رأوا في هذا الإثبات خروجًا عن المألوف والمعهود الذي اعتاده العرب، فقد اعتادوا جعل الدهر إنسانًا وصفوه بالوفاء والغدر وجعلوا له ساعدًا، وألفوا جعل المنية سبعًا وتخيلوا لها أظفارًا، ولكنهم لم يجعلوا للدهر أُخدعًا، ولم يجعلوا للمعروف كبدًا، ولا للدجى يافوخًا، ولا للعرض كعبًا، ولا للمال رِجلًا. قد أدرك النقاد كل ذلك، فأرادوا ألا يشتط الأدباء في تصوراتهم وتخييلهم، ويتجاوزوا حدود التصورات المألوفة والمعهودة لدى العرب، كما هو حادث في شعر الحداثة على سبيل المثال.
إذن مما تقدم يتضح لنا أن حسن الاستعارة يتوقف على عدة أمور؛ أهمها حسن التشبيه الذي بنيت عليه، وقرب وجه الشبه ووضوحه، وألا يذكر في الكلام ما يشتم منه رائحة التشبيه، فإن فُقِدَ أمر من هذه الأمور قلل فقدانه من حسن