الطغيان لزيادة الماء وارتفاعه، واستعير العتو للشدة، والاستعارة فيهما أبلغ؛ لأنها في الطغيان دلالة على الغلبة والقهر والعتو شدة فيها تمرد. وقد يُتبَع المستعار بملاءمات المستعار منه ويبالغ في ذلك، حتى ينزل منزلة الحقيقة على ما مر بنا في الاستعارة المرشحة.
من خصائص الاستعارة كذلك حسن البيان، وتحريك المشاعر، وتنبيه العقول، وتنشيط الأذهان، ولا يخفى عليك إدراك ذلك فيما مر بك من الشواهد، ففي قول الله تعالى: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (مريم: 4) تجد أن التعبير عن ظهور الشيب وانتشاره بالاشتعال قد أبرز الشيب في صورة واضحة بينة تجذب المشاعر، وتنبه العقول إلى أن انتشار الشيب لا يمكن تلافيه ودفعه، كما أن شواظ النار لا يتلافى.
هذا والاستعارة -كما رأينا- مبنية على التشبيه فيشترط لحسنها أن يكون التشبيه حسنًا، وحسن التشبيه -على ما هو قد مر بنا- يحصل بكون وجه الشبه كثير التفصيل، وكون المشبه به نادر الحضور في الذهن عند حضور المشبه وأن يحقق الغرض منه، فكذلك الاستعارة تحسن إذا كان الجامع بين المستعار له والمستعار منه مفصلًا، كما جاء مثلًا في قول امرئ القيس:
فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازًا ونال بكلكل
فهنا يصف الليل، وقد استحسنه الآمدي وجعله من أجود الاستعارات؛ لأن امرأ القيس وصف أحوال الليل الطويل، فذكر امتداد وسطه وتثاقل صدره وترادف أعجازه، فلما جعل له وسطًا ممتدًّا، وصدرًا ثقيلًا، وأعجازًا مرادفة لوسطه، استعار له اسم الصلب، وجعله متمطيًا من أجل امتداده واسم الكلكل، وجعله نائيًا لتثاقله واسم العجز من أجل نهوضه، هذا التفصيل شفع لامرئ القيس ما كان قد عابه عليه بعضهم من أن بعض استعاراته مبنية على البعض الآخر.