وانظر مثلًا إلى -مع قول أبي العتاهية- قول سامي البارودي عندما يقول:
إذا استل منهم سيد غرب سيفه ... تفزعت الأفلاك والتفت الدهر
فنجد أن الخِلافة والأفلاك والدهر قد تحولت بالاستعارة إلى كائنات حية؛ تفزع وتتلفت وتمشي في عجب وحياء، وقد صارت للخلافة المنقادة أذيال تجررها.
وتأمل معي قول أبي ذؤيب وقد سبق ذكره:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع
فهنا نجده قد أبرز المنية في صورة محسوسة مشاهدة، إذ جعلها سَبْعًا يفتك وينشب أظفارًا.
ومن خصائص الاستعارة -إلى جانب ما ذكرنا من تجسيد المعنويات- الإيجاز، فإن الاستعارة تعطي المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة يسيرة. خذ مثلًا قول ابن المعتز:
أثمرت أغصان راحته ... لجناة الحسن عُنابا
وقد استعيرت الأغصان للأصابع، والعناب للأنامل، والمعنى: أثمرت أصابع يده الشبيهة بالأغصان بنانًا مخضوبةً كالعناب، ولا يخفى عليك ما أحدثته هذه الاستعارة من إيجاز، مع حسن بيان وجمال تصوير.
ومن خصائصها كذلك المبالغة في تأكيد المعنى وتفخيمه؛ لأنها قائمة على تناسي التشبيه، وادعاء أن المشبه صار فردًا من أفراد المشبه به، ولذا كان قولنا: رأيت بدرًا وأضاء محمد الأرض شرقًا وغربًا أبلغ من قولنا: محمد كالبدر، وهو التشبيه الذي بنيت عليه الاستعارة، وذلك أن الاستعارة قد صيرت محمدًا فردًا من أفراد البدور؛ مبالغةً وادَّعاءً.
وتأمل مثلًا إلى ذلك قول الله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} (الحاقة: 11) وقوله -عز وجل-: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} (الحاقة: 6) فقد استعير