ومن المجاز الجاري على هذه الطريقة قول قوم إبراهيم كما يحكيه عنهم، وقد أرادوا التنكيل به جزاء تحطيمه لأصنامهم: {فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} (الأنبياء: 61) فقد أطلقت الأعين وأريد بها الأثر الناشئ عنها وهو الرؤية، فهم يريدون: فأتوا به على مرأى ومشهد، أي رؤية ومشاهدة، والقرينة المانعة من إرادة الباصرة حرف الجر "على" فإنه دال على الاستعلاء الحسي، وحين يؤتى بإبراهيم فإنه لن يعلو على أبصارهم، وإنما تتمكن منه رؤيتهم كما يتمكن الراكب على دابته، والتعبير بالمجاز في هذه الصورة يومئ إلى قوة الآلة وشدة أثرها في حدوث الفعل.
من علاقات المجاز المرسل المجاورة، وهو أن يذكر الشيء ويراد به ما يجاوره لشدة الاتصال بينهما، كأنهما متلازمان لا ينفرد أحدهما عن الآخر وجودًا وعدمًا، ومما هو متوارث مشهور مما جاء على هذا النمط من المجاز قول عنترة في منازلته خصمه وصرعه إياه:
ومدجج كره الكماة نزاله ... لا ممعن هربا ولا مستسلم
جادت له كفي بعاجل طعنة ... بمثقف صدق الكعوب مقوم
فشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم
فتركته جذر السباع ينشنه ... يقدمن حسن بنانه والمعصم
وإذا نظرت إلى البيت الثالث وما قبله وما بعده؛ لتبين لك أن قوله: فشككت بالرمح ثيابه، ينطوي على المجاز في لفظ الثياب؛ لأن الشك بالرمح في الثياب لا يعني به مجرد مس الثياب أو شقه، ومؤدى هذا أن لفظ الثياب يراد به جسد خصمه بقرينة البيت السابق: جادت له كفي ... إلى آخره، والبيت اللاحق: فتركته جذر السباع ... إلى آخره.