لفظ البحر إيماء إلى الرهبة والخوف لما هو معروف عنه من التقلب واضطراب الأمواج، بخلاف لفظ السفينة فإنها لا توحي بشيء من خوف أو فزع.
من هذه العلاقات التي تخص المجاز المرسل علاقة الآلية، وهي أن يطلق اسم الآلة التي يكون بها الشيء، ويراد الشيء نفسه. وبعبارة أوضح: أن يطلق اسم الآلة، ويراد به الأثر الناشئ عنها.
ومن أعذب ما جاء على هذا النسق من مجاز قول الله تعالى يحكي دعاء إبراهيم: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (الشعراء: 83، 84) ففي هذا الجزء من الدعاء نجد إبراهيم -عليه السلام- يدعو بأمور يتصل بعضها بالحياة الدنيا، وهو الحكمة والصلاح، ويتصل بعضها الآخر بما بعد الموت وقبل النشور، وهو أن يكون له لسان صدق فيمن يأتي بعده من الأجيال، ولا معنى لأن يبقى لسانه الناطق بعد موته فيمن يعقبه من الناس، وإنما المراد به الذكر الحسن الذي يتوارثونه ويشيع فيهم، وبذا يكون قد أطلق اللسان وهو الآلة التي يحدث بها الذكر وينشأ عنها، وأريد به الذكر نفسه.
وإنما سلك هذا المسلك لبيان أهمية اللسان في حدوث الذكر الحسن وأهمية تنقية اللسان، فلا يصدر عنه إلا ما هو حسن من القول، ففي عفة القول، وتخلص اللسان من القدح في الأعراض ما يجعله مرغوبا فيه، وفيما يصدر عنه -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
ومن المجاز الذي علاقته الآلية أيضا قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} (إبراهيم: 4) فقد أطلق اللسان وأراد الأثر الناشئ عنه وهو اللغة، وسلك هذا المسلك لبيان أهمية اللسان في صدور اللغة عنه. ومثله قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} (الروم: 22) فقد أطلقت الألسنة وأريد بها اللغات.