وقد قصد عنترة من وراء هذا المجاز الإيماء إلى سهولة صرعه وقتله، وإن كان له من القوة ما له. ومنه إطلاق لفظ الراوية على المزادة أي: قربة الماء في قولنا: شربنا من الراوية، أو في قولك مثلا: خلت الراوية من الماء، والراوية اسم للبعير الذي يحمل عليه الماء، فلما كثرت مجاورة المزادة لظهر الراوية أطلق على المزادة اسم الراوية مجازًا مرسلًا علاقته المجاورة.

ومنه قولنا: ركب الفرسان سروجهم، تريد خيولهم فسميت الخيول سروجًا لكثرة مجاورتها لظهور الخيل، وقولنا كذلك: أصابتنا السماء، تريد الغيث المجاور عادة لجهة السماء، وقولنا كذلك: جر الغلام الحفض، تريد البعير الهزيل المخصص لحمل الأمتعة الحقيرة، والحفض: اسم للحقير التافه من متاع البيت، فسمي البعير باسم ما يحمله لعلاقة المجاورة. من ذلك أيضا قول ليلى الأخيلية:

رموها بأثواب خفاف فلا ترى ... لها شبها إلا النعام المنفر

فقد ذكرت ليلى الأثواب وأرادت الرجال الذين ركبوا الإبل فرموها بأنفسهم، وذلك على طريق المجاز المرسل أيضا لعلاقة المجاورة. ومنه قول الآخر:

إن لنا أحمرة عجافا ... يأكلن كل ليلة إكافا

فأطلق لفظ الإكاف: وهي البردعة التي توضع على ظهر الحمار على العلف الذي تأكله هذه الأحمرة للمجاورة؛ لأن العلف يحمل على الإكاف.

فإلى الملتقى أستودعكم. الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015