وانظر إلى مصداق ذلك في قولهم: {يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} (يوسف: 81).
ومن المجاز الذي هو على هذا النسق قوله تعالى في تهديد أبي جهل الذي كان يتصدى للنبي -صلى الله عليه وسلم- محاولًا منعه من الصلاة في المسجد الحرام: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} (العلق: 15 - 18).
وبتأمل هذا النسق التعبيري نجد أن لفظ النادي في هذا السياق لا يراد به مكان اجتماع القوم، وإنما المراد به هم القوم أنفسهم بقرينة أن المكان ليس أهلًا لأن توجه إليه الدعوة، أي أنه مجاز أطلق فيه المحل وأريد الحال فيه، وإنما سلك هذا المسلك المجازي للإيماء إلى الاستقصاء من دعوة من يناصره في مواجهة النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى لو أمكن أن يدعو المكان لهذه الغاية فله ذلك، ومهما احتشد معه المحتشدون فلن تكون لهم النصرة؛ لأنهم سيواجهون بقوة لا تنهض لها قوة البشر جميعا، وما يتصورونه ذا أثر في قهر محمد -صلى الله عليه وسلم- ومنعه مما يدعو إليه، ومما جاء على هذه الصورة قول الشاعر:
إن العدو وإن تقادم عهده ... فالحقد باق في الصدور مغيب
فالمراد بالصدور هنا القلوب التي تحل بها تسمية للشيء باسم محله، ومنه قول ابن الرومي يكشف عن خوفه من ركوب السفن: "لا أركب البحر إني" يقصد بالبحر هنا السفن التي تكون في البحر:
لا أركب البحر إني ... أخاف منه المعاطب
طين أنا وهو ماء ... والطين في الماء ذائب
لينظر القارئ أو السامع معنى لفظ بحر، فإنه سيدرك أن المراد به السفن بقرينة أن البحر لا يركب، ومؤدى هذا أنه أطلق المكان أو المحل وأراد به الحال فيه، وفي