ذلك، والقرينة هي الأمر بدفع أموالهم إليهم لاستحقاقهم التصرف فيها، وإيثار التعبير عنهم بلفظ اليتامى مع أن اليتم قد زال يفيد أمرين:
الأمر الأول: الإنباء بسرعة إعطائهم أموالهم بمجرد ذهاب اليتم عنهم، فكأن صفة اليتم لا تزال عالقة بهم وقت دفع المال؛ لأنه يدفع إليهم عقب زوالها مباشرة، وهذا واضح في قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (النساء: 6).
الأمر الثاني: التذكير بحال هؤلاء اليتامى، وكيف حرموا من عطف وحنان الأبوة، وأنه لا يليق بالمؤمن أن يطمع في مال هذا شأنه.
ومن هذا النسق من المجاز قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (البقرة: 234) فمن المعروف أن الوفاة تنهي الزوجية، فتصبح المرأة بعد قضاء العدة أجنبية يصح لها أن تتزوج بغيره، وإنما عبر بالأزواج باعتبار الوصف الذي كانت عليه قبل الوفاة؛ للإيماء إلى أن ما يقتضيه هذا الوصف من الوفاء الذي يدعوهن إلى الانتظار تلك المدة، حتى لا يظهرن بمظهر من كن يتمنين وفاة أزواجهن والخلاص منهم.
ومن الأمثلة التي يتراءى فيها ذلك النمط من المجاز قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} (نوح: 17، 18) ففي إضافة الإنبات إلى ضمير المخاطبين قرينة دالة على أن المراد بهذا اللفظ اعتبار ما كان؛ لأن المخاطبين خلقوا من نطف آبائهم، وإنما خوطبوا بهذه الصورة من المجاز تذكيرًا بالأصل حتى يدركوا قدرة الله -عز وجل- على البعث، فالذي خلق الإنسان من تراب قادر على بعثه من جديد.