من هذا القبيل قول الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} (طه: 74) ففي الآخرة لا يكون المرء مجرمًا؛ لأن الوصف بالإجرام يكون قبل الصيرورة إلى موقف الجزاء، وإنما أوثر لفظ المجاز لإيمائه إلى استحقاق العقاب الذي ينزل به.
من علاقات المجاز المرسل اعتبار ما يكون، وهو تسمية الشيء باسم ما سيكون عليه في المستقبل، ومما يتمثل فيه المجاز على هذا النسق قول الله تعالى يحكي قولة صاحب يوسف -عليه السلام- في السجن: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ} (يوسف: 36) والمجاز كائن في لفظ الخمر، وواضح أنه غير مستعمل في معناه الحقيقي بقرينة قوله: {أَعْصِرُ} لأن الخمر لا تعصر فهي بطبيعتها عصير وهو لا يعصر، ومؤدى هذا أن المراد بهذا اللفظ العنب أو ما كان على شاكلته مما يمكن عصره وتخميره، وإنما لم يعبر عن هذا المعنى المراد باللفظ الموضوع له في عرف اللغة وعبر عنه بالمجاز؛ لبيان المقصود من العصر، وهو أن يصير في المآل خمرًا.
ومما يتراءى فيه المجاز على هذه الشاكلة قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (البقرة: 178) إذ المراد بالقتلى في هذا النسق الأحياء الذين سيصيرون بالعدوان عليهم قتلى، والذي دل على هذا المراد هو ذكر القصاص؛ لأنه لا يقتص لإنسان من أحد قبل أن يقتل، وإنما عبر عنه بالقتلى لإيمائه بسبب القصاص وعلته.