والرد على هذا أن المعروف المنقول بالتواتر -والكلام هنا لابن تيمية -رحمه الله- استعمال هذه الألفاظ فيما عدوه بها من المعاني، ولا يكون قاصرا على معنى واحد، وإنما أوتي البلاغيون من جهة أنهم رأوا اليد تطلق على النعمة والقدرة في بعض المواضع، فظنوا أن كل تركيب وسياق صالح لذلك حتى وإن قامت القرائن على خلافه، فوهموا بذلك وأوهموا، فهب أن هذا يصلح في قوله: لولا يد لك لم أجزك بها، أفيصلح في قوله جلت قدرته: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} (العنكبوت: 48) وفي قول عبد الله بن عمر: "إن الله لم يباشر بيده أو لم يخلق بيده إلا ثلاثا: خلق آدم بيده، وغرس جنة عدن بيده وكتب التوراة بيده".
أو يصح في عقل أو نقل أو فطرة أو ملة أو شريعة أو منطق أن يكون معنى الآية: وما كنت تتلو من كتاب ولا تخطه بنعمتك أو بقدرتك، أو أن يصح أن يقال: أن المراد من الأثر لم يخلق بقدرته أو بنعمته إلا ثلاث، وأي مزية إذن لآدم على إبليس في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (ص: 75) إن حمل معنى اليد في حق الله على القدرة، وأي خصيصة خص الله بها آدم دون سواه بدت من قول موسى -عليه السلام- له وقت المحاجة: ((أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء)). وكذا في قول أهل الموقف له إذا سألوه الشفاعة.
لو كان الأمر كذلك فهذه أربع خصائص لآدم -عليه السلام- تضيع الفائدة منها لو وضعت القدرة التي يدعي المؤولة والمعطلة أن التعبير باليد هنا مجاز عنها موضع اليد، فضلا عن عدم صحة وضعها هناك فإنه سبحانه لو قال: ما منعك أن تسجد لما خلقت بقدرتي أو قال له موسى: أنت أبو البشر الذي خلقك الله