في الكلام كذلك حمله على الظاهر فلا يحمل على خلاف الظاهر إلا بقرينة لغوية أو عقلية أو عرفية أو شرعية أو حالية، وابتناء على ذلك فادعاء المجاز في أي لفظ كان يستلزم إقامة القرينة المانعة، والدليل الصارف له عن الحقيقة، إذ القائل بالحقيقة معه الأصل والظاهر ومخالفه مخالف لهما جميعا.
والملاحظ أن البلاغيين قد فاتهم ذلك حين قرروا أن اليد في حق الله مجاز عن القدرة، وكذا حين حجروا واسعًا وجعلوا اليد موضوعة وفقط للجارحة، وذلك إبان قولهم على المجاز المرسل: هو ما كانت العلاقة غير المشابهة هي اليد الموضوعة للجارحة المخصوصة إذا استعملت في النعمة، لكونها بمنزلة العلة الفاعلة للنعمة؛ لأن النعمة منها تصدر وتصل إلى المقصود بها، وكاليد في القدرة؛ لأن أكثر ما يظهر سلطان القدرة يكون في اليد، وبها تكون الأفعال الدالة على القدرة من البطش والضرب والقطع والأخذ وغير ذلك، كذا بوضع العلة لاستخدام اليد في النعمة والقدرة موضع القرينة، وبالجزم بما يفيد تواضع العرب في لغتهم، وفي اصطلاح التخاطب على قصر استخدام اليد حقيقة على اليد الجارحة دون سواها، وبما يفيد اعتبار ذلك هو الأصل في الاستعمال، وسحب ذلك من ثم على صفة اليد التي هي ثابتة لله بموجب ما جاء في كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم.
ذلك أنه من غير الصحيح القول بأن نحو اليد التي تعني الجارحة وضعت في أصل معناها لهذه المعاني الحسية، ولا تطلق على وجه الحقيقة على سواها، وإذا أطلقت على غيرها سواء أكان معلوما أو مجهولا، فإنها قد استعملت في غير معناها، ولا تكون بحال من الأحوال مستعملة في ظواهرها بل تكون مؤولة -هكذا قالوا- بما يعني أن الألفاظ إذا لم تكن مشتركة فلا تستعمل في حقائقها مرتين.