ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} (يس: 37) فقد استعير السلخ وهو إزالة جلد الحيوان بعد ذبحه؛ ليظهر اللحم بإزالة ضوء النهار، حتى يظهر الليل ويحل الظلام، بجامع مطلق ترتُّب أمر على أمر، فالطرفان حسيان، والجامع بينهما عقلي.

من ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} (الذاريات: 41) حيث استعيرت المرأة العقيم التي لا تلد للريح التي لا تُمطر، بجامع عدم ظهور الأثر في كلٍّ، ثم حذف المستعار منه ورمز له بلازم من لوازمه وهو العقل، على سبيل الاستعارة المكنية؛ فالطرفان حسيان والجامع عقلي.

ويجوز اعتبار الاستعارة تبعية بتشبيه ما في الريح من عدم تلقيح السحاب كي يمطر بالحالة التي في المرأة المانعة من الإنجاب، وهي العقم، ثم استعير العقم للحالة التي في الريح واشتق منه عقيم بمعنى لا ينتج أثرًا، وعندئذٍ يكون كلٌّ من الطرفين والجامع عقلي.

ثم إن هناك استعارة محسوس لمعقول، ولا يكون الجامع فيها إلا عقليًّا كقوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الحجر: 94) فالآية خطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يبلغ الأمانة، ويوضح أمر الدين وضوحًا تامًّا لا يعود معه إلى خفاء، كما لا يلتئم الزجاج بعد كسر، فهنا استعير الصدع الحسي، وهو كسر الزجاج للتبليغ الذي لا ينمحي أثره وهو عقلي بجامع قوة التأثير في كلٍّ، ثم اشتق منه اصدع بمعنى: بلغ تبليغًا يبقى أثره.

ومن ذلك أيضًا قوله عز وجل: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} (آل عمران: 112) فالآية تتحدث عن اليهود، والضرب في اللغة يستعمل للإلصاق وللإحاطة يقال: ضرب الطين على الحائط أي: ألصقه بها، وضرب الخيمة على من فيها أي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015