ثم إن الاستعارة باعتبار حسية وعقلية طرفي المستعار منه والمستعار له تأتي على أربعة أنحاء.
أولها: استعارة محسوس لمحسوس بوجه شبه محسوس، قول الله تعالى مثلًا: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} (طه: 88) حيث استعير لفظ العجل من الحيوان المخصوص للصنم الذي صنعه السامري من الذهب، بجامع الشكل والصوت في كلٍّ، والمستعار له والمستعار منه، ووجه الشبه كلها من المحسوسات. من ذلك أيضًا قوله تعالى: {تَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} (الكهف: 99) قد استعير الموج وهو حركة ماء البحر واضطرابه لحركة الخلائق المجتمعة يوم البعث، بجامع ما في كلٍّ من اضطراب وحركة مشاهدة.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (مريم: 4) حيث استعير شواظ النار للشيب بجامع البياض والإنارة، ثم حُذف المستعار منه أي: المشبه به ورُمز له بلازم من لوازمه، وهو الاشتعال على طريق الاستعارة المكنية.
وبذا يكون قد شبه الشيب بشواظ النار بجامع البياض والإنارة في كلٍّ، ثم حذف المشبه به على سبيل الاستعارة المكنية.
ويمكن أن يكون وجه الشبه في استعارة المحسوس بالمحسوس عقليًّا، كما في الآية السابقة، إذا جعلت الاستعارة تبعية في لفظ {اشْتَعَلَ}، ونقول فيها: استعير الاشتعال انتشار الشيب في الشعر بجامع سرعة الانتشار مع تعذر التلافي، الطرفان حسيان والجامع عقلي.