أقامها لتحيط بهم، وعلى ذلك فقد استعير الضرب في الآية من إحاطة القبة أو الخيمة، أو من لصوق الطين بالحائط ولزومه له؛ لإحاطة الذلة بهم، أو للصوقها ولزومها لهم، واشتق من الضرب ضرب بمعنى أحاط أو لزم؛ فالمستعار له في الآية عقلي، والمستعار منه حسي.
من ذلك أيضًا قوله عز وجل: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (البقرة: 214) فهنا استعيرت الزلزلة، وهي التحريك بشدة وعنف؛ لشدة ما أصابهم من الألم والمشاق، من ذلك أيضًا قوله تعالى: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} (آل عمران: 187) استعير النبذ وهو الإلقاء والقذف باليد للتناسي والإهمال.
الضرب الثالث من ضروب الاستعارة بهذا الاعتبار الحسي والعقلي: استعارة معقول لمعقول، ولا يكون الجامع إلا عقليًّا، ومن ذلك قوله تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} (يس: 52) حيث استعير الرقاد للموت بجامع عدم ظهور الأفعال التي يعتدُّ بها في كلٍّ، والرقاد والموت وعدم الظهور إنما هي من المعاني العقلية.
الضرب الرابع: استعارة معقول لمحسوس، ولا يكون الجامع فيها إلا عقليًّا قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} (الحاقة: 11) حيث استعير الطغيان وهو التعالي والتكبر؛ لزيادة الماء وارتفاعه، بجامع تجاوز الحد في كلٍّ، واشتق منه الفعل طغى بمعنى زاد وارتفع، على سبيل الاستعارة التبعية، المستعار منه الطغيان أمر عقلي، والمستعار له الزيادة والارتفاع أمر حسي، والجامع كما ترى من الأمور العقلية.
من المهم ونحن نعرض لشتى ألوان الاستعارة أن نُنبِّه إلى أن كلَّ مجاز لا بد له من وجود قرينة تمنع إرادة المعنى الأصلي الذي وُضع له اللفظ، فالقرينة هي ما ينصبه المتكلم دليلًا على أنه أراد باللفظ غير معناه الوضعي، وهي إما لفظية