بعرض تنوفة للريح فيها ... نسيم لا يروَّع في التراب
فهنا استعار الترويع بمعنى الإفزاع والإخافة؛ لإثارة الريح التراب بجامع الحركة الهوجاء في كلٍّ، ومرجع الغرابة في البيت إلى كون المستعار له بعيد الحضور في الذهن عند ذكر المستعار منه، فصار الجمع بينهما غريبًا دقيقًا، من ذلك قول ابن المعتز:
يناجيني الإخلاف من تحت مطله ... فتختصم الآمال واليأس في صدري
فهنا الإخلاف بمعنى عدم الوفاء بالوعد، ومطله أي: التأخير في إجابة المطلوب، كما بالحديث ((مطل الغني ظلم)) فهنا في البيت استعار المناجاة للخطور في الذهن بجامع خفاء الدلالة في كل، وهو جامع عقلي لذا كانت الاستعارة غريبة، ثم استعار الاختصام لحضور الأمل في صدره مرة، ثم اليأس مرة أخرى، كأنهما يتنازعان بجانب مطلق التدافع بين شيئين متعارضين، ولنا أن نجعل الاستعارتين في البيت من قبيل الاستعارة بالكناية؛ لتشبيه الإخلاف مثلًا بإنسان يتحدث من خلف ستار، والأمل واليأس بمتخاصمين يتنازعان مكانًا للإقامة فيه، وهذا أجمل وأكثر إبرازًا للخيال الذي يريده الشاعر، من ذلك أيضًا قول الآخر يصف فرس:
عودته فيما أزور حبائبي ... إهماله وكذاك كل مخاطر
وإذا احتبى قربوصوه بعنانه ... علك الشكيمة إلى انصراف الزائر
العنان: هو السير الذي يُوضع في فم الفرس، وهو ما يسمى باللجام، وكلمة قربوصوه يعني: السرج الذي يوضع على الفرس، علك الشكيمة، الشكيمة: هي الحديدة المعترضة في فم الفرس، فهنا استعار الاحتباء وهو ضم الرجل ركبتيه وجمعه ظهره وساقيه بثوب؛ لضم اللجام مقدم السرج إلى فم الفرس، والجامع هو الهيئة المركبة من انضمام شيئين بواسطة شيء آخر.