أولًا: كون الجامع مثلًا بين المستعار له والمستعار منه أمرًا عقليًّا، كإزالة الحجاب في استعارة النور للحجة الواضحة، والرأي الصائب في نحو قولنا: هذا عالم يستضاء برأيه، وتنير حجته.
ثانيًا: أن يشتمل الجامع على شيء من التفصيل والتركيب.
ثالثًا: أن يكون المشبه به نادر الحضور في الذهن عند حضور المشبه، كما في قول طفيل الغنوي:
وجعلت كوريا في ناجية ... يقتات شحم سنامها الرحل
حيث استعار الاقتيات، وهو تناول الطعام بالفم لإذهاب الرحل شحم السنام، وذلك لكثرة احتكاكه به، والجامع بينهما إزالة الأثر إزالة تدريجية مع طول الوقت، وهذا محقق في الاقتيات، وفي إذهاب الرحل شحم السنام، ومرجع الغرابة إلى التفصيل في الجامع؛ حيث لم ينظر إلى مجرد الإزالة، بل إلى حصولها بالتدريج شيئًا فشيئًا، وهذا مما يحسن الاستعارة في البيت.
ومما يحسنها كذلك أن الشحم نفسه مما يقتات، فالسامع يتخيَّل أن الاقتيات حقيقة، فإذا ما انتهى إلى آخر البيت الرحل وضح له المجاز، وبرز له الشيء من حيث لم يتوقعه، من ذلك قول ابن المعتز:
حتى إذا ما عرف الصيد الدار ... وأذن الصبح لنا بالإبصار
فقد استعار الإذن للتمكن من الرؤية بعد العجز عنها، ومرجع الغرابة إلى ما في الجامع وهو القدرة على فعل الشيء بعد زوال المانع من فعله، من تفصيل لا يُدرك إلا بعد إدراك أن الليل كان مانعًا من الرؤية، بالإضافة إلى أن هذا الجامع أمرًا عقليًّا، والعقليات المركبة دقيقة الإدراك بالنسبة إلى المحسوسات.
ومن الاستعارات الغريبة لما بها من تفصيل أيضًا قول الآخر يصف رقة النسيم: