والجمهور يشبه الارتباط الحاصل بين النعمة وصاحبها بالظرفية التي هي ارتباط حاصل بين الظرف والمظروف، ثم يسري التشبيه من هذا العام إلى أفراده؛ فيستعار اللفظ فيه من مفرد من أفراد المشبه به لفرد من أفراد المشبه على سبيل الاستعارة التبعية في الحروف يعني: مثلًا قوله -صلى الله عليه وسلم ((خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه، كلما سمع هيعة طار إليها))، ترى أن الحديث شبه العدو بالطيران بجامع قطع المسافة بسرعة في كلٍّ، ثم استعير الطيران للعدو، فصار العدو بالاستعارة معناه الطيران، ثم اشتق من الطيران طار بمعنى عدا على سبيل الاستعارة التبعية، والهيعة كما هو معروف هي الصيحة المفزعة، وأصلها من هاع يهيع إذا جبن، والمراد: أنه رجل مستعد للجهاد كلما سمع صيحة مستغيث من المسلمين أسرع إليه ليقاتل معه.
ومثل الحديث في استعارة الطيران للعدو قول امرأة ترثي قتيلًا فارسًا تقول:
لو يشا طار به ذو ميعة ... لاحق الآطال نهد ذو خصل
كلمة ميعة يعني: نشاط لاحق الآطال أي: ضامر الخاصرة، نهد أي: القوي، ذو خصل جمع خصلة، وهو الشعر المجتمع، أرادت عدا بهذا الفرس مسرعًا، ومنه قول الآخر:
فَطِرتُ بِمَنصَلى في يَعمُلاتٍ ... دَوامي الأَيدِ يَخبِطنَ السَريحا
أراد أنه قام بسيفه مسرعًا إلى نوقه، فعقرها؛ لأن كلمة الصريحا: السير الذي يُشد على أرجل الناقة، والمنصلي هو السيف، واليعملات هي النوق المطبوعة على العمل، فهو أراد أنه قام بسيفه مسرعًا إلى نوقه فعقرها، وسالت الدماء على أيديها وأخذت تضرب بأقدامها القيود المقيدة بها من شدة الجراح؛ فالاستعارة في البيتين تبعية كما هي في الحديث، من ذلك أيضًا قول البحتري من الاستعارة التبعية في مادة الفعل قول البحتري: