بقي أن نتكلم عن علم البيان الذي هو موضوع حديثنا، فنعرج على تعريفه، ونتكلم عن مرجع تفاوت دلالته اللفظية وأدواته:
البيان كما هو معلوم نعمة امتن الله بها على عباده حيث قال جل وعلا: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (الرحمن: 1 - 4) فهو بهذا التعليم تميز عن كثير من الخلق، وصار ناطقًا مبينًا يستطيع أن يعبِّر عما يجول بخاطره من المعاني، وأن يوصلها إلى غيره من البشر، ويتلقاها الغير عنه؛ فيتم التفاهم، وتتحقق السعادة بين البشر.
والبيان في اللغة يعني: الظهور، والوضوح، والإفصاح، يقال: بان الشيء بيانًا أي: اتضح، وأبنته أوضحته، واستبان الشيء أي: ظهر، وبان الصبح لذي عينين أي: ظهر ووضح، والبيان الفصاحة والإفصاح مع ذكاء، والبيِّن من الرجال السمح اللسان، الفصيح الظريف، العالي الكلام، في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ((إن من البيان لسحرًا، وإن من الشعر لحكم)) قال ابن عباس: "البيان إظهار المقصود بأبلغ لفظ، وهو من الفهم وذكاء القلب مع اللسن، وأصله الكشف والظهور"، هذا الكلام ذكره صاحب (لسان العرب) في مادة بين.
البيان عند الجاحظ: "اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، حتى يُفضي السامع إلى حقيقته، ويهجم على محصوله"، وهو لدى الرماني "الإحضار لما يظهر به تمييز الشيء من غيره في الإدراك"، أرى عبد القاهر أنه من مقتضيات النظم، فهو به يكون وعنه يحدث، ومحصلة كل ذلك أن البيان بمعناه اللغوي، أو المعنى العام، أو الأدبي يعني: التعبير عما يدور في الذهن، وتحسن به النفس بأسلوب فني رائع، أو هو المميزات التي يتفاضل بها الأدباء والشعراء، ويظهر بها فضل كلام على كلام.