كلام، يتمثل في أن كلًّا يبحث بطريق غير الآخر عما وراء دلالات الألفاظ الوضعية، وفيما يتصل بخصائص القول التي تعود على المعاني.
فقضية البلاغة وموضوعها في تصور عبد القاهر، بل وفي تصور عامة البلاغيين هو حسن الدلالة، أو المزية التي يتفاضل بها الكلام، وأن النظم مناط هذه المزية، وعامل مشترك بين النحو والبلاغة، وأن مقتضى الحال يتسع ليشمل ما لا نهاية له من معاني النحو المتآخية فيما بين الكلم على حسب الأغراض التي يُصاغ لها الكلام، أو المرتبطة بالمعاني الثانوية، أو بخصوصيات الكلم وما يتخلله من الأحوال الداعية إليها، وأنه لذلك جعله عبد القاهر محور كتابيه (دلائل الإعجاز) و (أسرار البلاغة) اللذين خليا تماما من الحديث عن الدلالة الوضعية؛ لخلوها من المزية، وإن كانت صحتها قيدًا في البلاغة، وتمييز الكلام الفصيح من غيره.
على أن دائرة هذا النظم تتسع أكثر لتشمل إلى جانب ما اختص بعلم المعاني -أعني: المعاني الثانوية: وهو اللفظ الملتبس بتآخي معاني النحو- تشمل كذلك ألوان البيان؛ لدلالة اللفظ فيه على معنى معناه، وألوان البديع؛ لكونها لا تتم إلا بنصرة المعنى، فلا ينبغي أن نعزل قضية النظم، ونقول: إنها أمر خاص بعلم المعاني، كما يفعل، أو كما يحدث من كثير من البلاغيين يظن أن قضية النظم إنما هي خاصة بعلم المعاني، ولا تمتُّ بصلة إلى علم البيان أو البديع، العكس صحيح النظم لا بد أن تتسع دائرته؛ لتشمل كل هذه الجوانب، الأمر الذي يؤكد أن هناك عوامل مشتركة تجمع بين هذه العلوم جعلت علماء البلاغة يجمعون فيما بينها، ويدرجونها تحت علوم البلاغة، أو تحت مسمى البلاغة. هذا لا يعني أن هناك فروق دقيقة -كما ذكرنا- تميز بين هذه العلوم الثلاثة.