ومن وسائل تحويل التشبيه القريب إلى بعيد أن يضيف البليغ، أو الشاعر إلى التشبيه ما يفيد تساوي الطرفين في وجه الشبه؛ بحيث لا نستطيع أن نُحدِّد أيهما مشبه، وأيهما مشبه به، كقول أبي تمام مثلًا:

فردت علينا الشمس والليل راغم ... بشمس لهم من جانب الخدر تطلع

فو الله ما أدري أأحلام نائم ... ألمت بنا أم كان في الركب يوشع

فهنا استعار لفظ الشمس لحبيبته الحسناء، فهي إذن استعارة مبنية على تشبيه الحسناء بالشمس، وتشبيه الحسان أو وجوههن بالشمس تشبيه قريب، فصيره غريبًا بما أضافه إليه من تساؤلات تسوِّي بين الطرفين؛ مبالغة في إضاءة وجه الحبيبة التي بدت من جانب الخدر، فبددت ظلام الليل، وبدت جوانب الأفق مضيئة ساطعة، وعندئذٍ تعجب وتساءل في حيرة أهذا الذي أرى حلمًا، أم وجه الحبيبة أزاح ظلمة الليل، أم كان يوشع -عليه السلام- في ركب القوم؛ فرد بدعائه الشمس بعد مغيبها هذا التشكك، وتلك التساؤلات سوَّت بين الطرفين، وحولت التشبيه من قريب مبتذل إلى بعيد غريب.

من وسائل تحويل التشبيه إلى بعيد التشبيه المشروط أن يقيد المشبه أو المشبه به بقيد يبرز فضل المشبه على المشبه به، وذلك كالتقييد بأسلوب الشرط، أو الاستثناء، أو الاستدراك من ذلك مثلًا قول شاعر:

عزماته مثل النجوم ثواقب ... لو لم يكن للثاقبات أفول

فهنا شبه عزائم الممدوح بالنجوم التي تثقب الظلام وتبدده، وتشبيه العزائم بالنجوم قريب مبتذل، فصيره الشاعر بهذا الشرط بعيدًا غريبًا؛ إذ جعل العزائم تفوق النجوم وتفضلها؛ لأنها نافذة الأثر على الدوام، والنجوم أثرها مقصور على وقت طلوعها دون وقت أفولها، ومن ذلك قول آخر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015