البلاغيين بشبه كمال الاتصال، مثل قوله تعالى مثلًا {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا} (العنكبوت: 41).

فجملة {اتَّخَذَتْ بَيْتًا} وقعت جوابًا لسؤال مسار تقديره ما حالها، وسواء ولي الأداة اسم نكرة أو معرفة موصول، أو غير موصول، فإن وجه الشبه هيئة تركيبية منتزعة من مجموع الجمل الواقعة بعد الاسم، ولا يمكن أن يكون هذا الاسم هو المشبه به؛ لاستحالة استقلاله بالدلالة على المقصود من التشبيه بدون الجمل المذكورة بعده، وإنما احتيج إليه ليكون ركيزة تعتمد عليها تلك الجمل المتتالية التي يتكون منها المشبه به.

وإنما تُعدُّ التشبيهات البعيدة الغريبة في الحقيقة من أبلغ التشبيهات، وألطفها، وأكثرها تأثيرًا في النفس؛ لأنها تحتاج -كما قلنا- إلى إعمال الفكر، وإطالة النظر في أحوال الطرفين، والتفتيش في صفاتهما للوقوف على وجه الشبه بينهما، والشيء إذا نيل بعد طلب وتفكير طويل؛ يكون أوقع في النفس، وأشد تأثيرًا، وألصق في الذهن وأثبت.

وثمة وسائل أخرى للتصرف في التشبيه القريب حتى يكون تشبيهًا بعيدًا غريبًا، من هذه الوسائل أن يثبت للمشبه به صفة لا يتأتى وصفه بها، ثم ينتزعها منه، ويبني على انتزاعها تصوير المشبه على المشبه به، مثل قول المتنبي:

لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا ... إلا بوجه ليس فيه حياء

فتشبيه الوجه بالشمس تشبيه قريب مبتذل، لكن المتنبي تصرف فيه بجعله الحياء صفة من صفات الشمس، ثم تبعها منها، وجعل الشمس تفقد حياءها بجرأتها على الظهور أمام الممدوح، وهذا التصرف أكسب التشبيه غرابة، وأزال عنه صفة الابتذال والقرب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015