مها الوحش إلا أن هاتا أوانس ... قنا الخط إلا أن تلك زوابل
فهنا شبه النساء ببقر الوحش في جمال العيون، وهو تشبيه قريب مبتذل، وكذلك تشبيههنََّ بالرماح الخطية في اعتدال القامة، لكنه أضاف هذا الشرط الاستثناء فحول التشبيهين إلى تشبيهات غريبة، ومما جاء كذلك بأسلوب الاستدراك:
ألا يا رياض الحزن من أبرك الحمى ... نسيمك مسروق ووصفك منتحل
حكيت أبا سعد فنشرك نشره ... ولكن له صدق الهوى ولك الملل
من ذلك أيضًا قلب التشبيه، كما سبق، وأن ذكرنا في بيت البحتري:
في طلعة البدر شيء من محاسنها ... وللقضيب نصيب من تثنيها
كذلك من وسائل تحويل التشبيه القريب إلى تشبيه بعيد غريب الجمع بين عدة تشبيهات؛ حتى يخرج التشبيه عن الابتذال، فتُجمع هذه التشبيهات، وكلها تدور في نطاق واحد، كما جاء في قول البحتري مثلا:
كأنما يقسم عن لؤلؤ ... منضدد أو برد أو أقاح
فقد شبه ثغر المرأة المبتسم باللؤلؤ المنظوم، والبرد، والأقاح، وبهذا الجمع تحول التشبيه إلى الغرابة والبعد، وكذلك قول امرئ القيس:
له أيطلى ظبي وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان وتقرير تتفلي
فشبه خاصرتي جواده بخاصرتي الظبي في الضمور، وشبه ساقيه أيضًا بساقي النعامة في الصلابة والمتانة، وشبه جريه بإرخاء السرحان في السهولة واللين، وشبه عدوه أيضًا في سرعة بتقريب ولد الثعلب، وكلها تشبيهات تدور حول الفرس؛ فصارت بهذا الجمع بعيدة غريبة، وازدادت لطفًا وحسنًا.
وجزاكم الله خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.