هذا وتختلف مرتبة التفصيل في وجه الشبه باختلاف الأمور المرعية، والصفات المعتبرة في الطرفين، فأدنى مراتبه ما رُوعي فيه وصف واحد، كتشبيه البنفسج مثلًا بأوائل النار في أطراف كبريت، بجامع الحمرة الصافية التي لا يشوبها لون آخر، وأعلى من هذا ما روعي فيه أمران كاجتماع البياض والسواد في تشبيه غُرة الفرس وسط وجهه الأسود بإشراق الصبح في جوانب الليل، وما روعي فيه ثلاثة أمور أعلى مما روعي فيه أمران، وهكذا حتى تبلغ الغاية في نحو قول الله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} (يونس: 24).
فقد اجتمعت في هذه الآية المباركة عشر جمل في جانب المشبه به، كل جملة منها تفيد وصفًا لا تفيده الأخرى، وهذه الأوصاف قد تضامت والتحمت؛ لأداء وجه الشبه بين الطرفين، وصارت كأنها جملة واحدة؛ بحيث لو حُذف منها شيء؛ لأخلَّ ذلك الحذف بالمغزى من التشبيه، وما يلاحظ في الآية الكريمة أن هذه الجمل المتتابعة قد وقعت صفة لاسم نكرة، هي "ما" وقد ولي أداة التشبيه.
ومن هذه المراتب العالية في تحصيل وجه الشبه، وفي وجود تفصيلات في وجه الشبه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ((الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة))، فجملة ((لا تجد فيها راحلة)) وقعت صفة ((لإبل مائة))، والمراد أن الكامل في الناس قليل، فكل مائة لا تجد فيهم واحدًا يوصف بالكمال، وقد يلي أداة التشبيه اسم موصول، فتقع الجملة بعده صلة له كقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} (البقرة: 17)، أو اسم معرفة غير موصول، فتكون الجملة بعده مستأنفة جوابًا لسؤال مقدر، وهو ما يسمى لدى