ثم تتأمل الصفات المشتركة بين الطرفين هل هي موجودة في كلا الطرفين بدرجة واحدة، أم بينهما تفاوت، وهل هذا التفاوت يفسد الغرض من التشبيه، إن كان يفسده؛ فعلى الأديب أن يجمع، ويفرق، ويثبت، ويحذف من صفات كل طرف حتى يستقيم التشبيه، ويتحقق الغرض الذي يرمي إليه فالمراد بالتفصيل إذن ألا ننظر في صفات الطرفين نظرة إجمالية؛ بل نظرة تفصيلية دقيقة، ويتضح لنا ذلك من خلال هذه الشواهد التي ذكرناها، ومن خلال قول امرئ القيس أيضًا:

حملت ردينيًّا كأن سنانه ... سنا لهب لم يتصل بدخان

فهنا نراه شبه سنان الرمح بسنا اللهب في الإشراق، ولكنه لاحظ أن السنا يحوي الدخان الذي يؤثر في وجه الشبه؛ فحذف هذا الدخان وانتزعه من السنا بقوله "لم يتصل بدخان"، فزاد السنا بهذا تألقًا وضياء، وتمَّ تحقق الشبه بين الطرفين، ومن ذلك أيضًا قول ابن المعتز يصف طلوع الفجر:

كأن وضوء الصبح يستعجل الدجى ... نطير غرابًا ذا قوادم جواني

فهنا شبه سواد الليل وقد بدت في جوانبه لمع مضيئة من نور الفجر بغراب أسود في أطرف جناحيه ريشات بيض، تظهر لامعة في سواده، ووجه الشبه هو الهيئة المكونة من اجتماع البياض والسواد، وأن السواد أخذ يتبدد في عجلة أمام البياض الذي انتشر في حواشيه وجوانبه.

وقد تخيل الشاعر أن ضوء الصبح يسوق ظلام الليل، ويستعجله ولما لم يجد نظير ذلك في الغراب أضاف إلى صفته أنه كان حبيسًا في يدي قانص ثم أطير، فهو يتابع طيرانه ويجد فيه، وحقق ابن المعتز بهذه الإضافة الشبه كاملًا بين الطرفين، ولو أنه اكتفى بذكر الغراب وبياض قوادمه، ولم يجعله طائرًا، أو جعله طائرًا من تلقاء نفسه لا عن انزعاج؛ لاختلَّ التشبيه، ولما كان لقوله يستعجل الدجى نظير في المشبه به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015