وما من شك في أن ندرة حضور المشبه به في الذهن تقتضي خفاء وجه الشبه، وقدرة إدراكه؛ لأن الوجه وصف منتزع من الطرفين، فإذا خفي أحد الطرفين، وندر حضوره بالذهن؛ خفي وجه الشبه وندر إدراكه وتعذره على العامة.

أيضًا من العوامل الموجبة لغرابة التشبيه أن يكون المشبه به نادر الحضور في الذهن عند ذكر المشبه البعيد الصلة بينهما، كذا نلحظ أن هناك ما يكون عاملًا موجبًا للغرابة يلحق بوجه الشبه، وما يكون عاملًا موجبًا للغرابة في التشبيه يلحق بالمشبه أو المشبه به، فقلنا أن من ذلك أن يكون المشبه به نادر الحضور في الذهن عند ذكر المشبه؛ لبعد الصلة بينهما، من ذلك قول ابن المعتز يصف زهر البنفسج:

ولاذ وردية تزهو بزرقتها ... بين الرياض على حمر اليواقيت

كأنها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت

فقد شبه زهر البنفسج بأوائل النار في أطراف كبريت، ولا مناسبة بين الطرفين، المشبه زهر نادى يفوح عطرًا، والمشبه به نار يابسة محرقة، فهما جنسان متباعدان، يندر أن يحضر المشبه به في الذهن عند حضور المشبه، وقد جمع الشاعر بينهما على الرغم من هذا التنافر؛ فاكتسب التشبيه غرابة وبعدًا.

ومن ذلك تشبيه الشعر بالنار، والبرق بمصحف القاري، وإبرة روق الأغن بقلم أصاب من الدواة مدادًا، فالبون شاسع بين الطرفين في كل هذه التشبيهات كما لا يخفى، ولهذا كانت تشبيهات غريبة بعيدة.

من العوامل الموجبة أيضًا لغرابة التشبيه ما يجعله مؤثرًا في النفس أن يكون وجه الشبه كثير التفصيل، ومن ذلك ما مر من تشبيه الشمس بالمرآة في كف الأشل؛ حيث روعي في وجه الشبه الشكل واللون والحركة المضطربة المستمرة، التي ينشأ عنها تموج الضوء، ومعنى التفصيل في وجه الشبه إطالة النظر والتأمل في صفات كل من الطرفين؛ لمعرفة ما تقع به المشاركة بينهما، وما تقع به المخالفة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015