باللغات، لكن العربية عندنا أحسن الألفاظ مخارج، وأوسعها مناهج، وأعلقها بالقلب، وأخفها على اللسان وأوصلها إلى الآذان، وكل هذه المحاسن تابعة للشريعة التي جعلها الله تعالى تمام الشرائع، ومضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ختم الله عز وجل به الأنبياء والرسل؛ جعلنا الله عز وجل يوم الفزع الأكبر في زمرته، كما أخرجنا في زمرة أمته، ورزقنا شفاعته، كما ألهمنا طاعته، بمنه وجوده.

أرى - أيدك الله - أن أطيل الكلام في هذا المعنى، لعلمي بأن هذا المقدار يهيجك ولا يشفيك، ويغريك بمعرفة تمامه ولا يسليك: نظام البلاغة وعقدتها والذي عليه المدار والمحار أن يكون طالبها مطبوعاً بها مفطوراً عليها، قد أعين بشهوة في النفس، وأدب من الدرس، فإنه متى اختل في أحد الطرفين بدا عواره، ولصق به عاره، والآفة فيها من الدخلاء إليها الذين يستعملون الألفاظ ولا يعرفون موقعها، أو يعجبهم الأتساع ويجهلون مقداره، أو يروقهم المجاز ويتعدون حدوده، أو يحسن في حكمهم التصريح ولعل الكناية هناك أتم، والإشارة فيه أعم. وهذه الخلال تجدها في قوم عدموا الطبع المنقاد في الأول، وفقدوا المذهب المعتاد في الثاني، والسر كله أن تكون ملاطفاً لطبعك الجيد، ومسترسلاً في يد العقل البارع، ومعتداً على رقيق الألفاظ وشريف الأعراض، مع جزولة في معرض سهولة، ورقة في حلاوة بيان، مع مجانبة المجتلب، وكراهة المستكره. وركنه الذي يعول عليه، وكنفه الذي يأوي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015