إليه، أن يكون السجع في الكلام كالملح في الطعام، فإنه متى ظفر منه بمقدار الرتبة، وحسب الكفاية، حلا منظره، وبهر بهاؤه، وسطع نوره، وانتشر ضياؤه، ومتى زاد على المقدار ضارع كلام النسأة والكهنة من العرب، أو كلام المستعربين من العجم.

وسأقتص لك فنون البلاغة اقتصاصاً مجملاً تقف به على تفصيلها: أعلم أن الفن الأول منه هو الكلام الذي يسمح به الطبع، وليس يخلو هذا المطبوع من صناعة، والفن الثاني هو الكلام الذي يطلب بالصناعة، ليس يخلو هذا المصنوع أيضاً من طبع؛ والفن الثالث هو المسلسل الذي يبتدر في أثناء المذهبين، وأمثلة هذه الفنون ثابتة في هذه النوادر والبصائر، ومتى أنعمت النظر عرفت الخبر. ومهما أتيت في هذا الشأن فلا تلهجن بالسجع، فإنه بعيد المرام إذا طلب الواقع موقعه والنازل مكانه، ولا تهجرنه أيضاً كله فإنك تعدم شطر الحسن؛ والذي يجب أن يعتمد من ذلك هو مقدار يجري مجرى الطراز من الثوب، والعلم من المطرف، والخال من الوجه، والعين من الإنسان، والسواد من الحدقة، والإشارة من الحركة، وقد علمت أنه متى كثرت الخيلان في الوجه وغمرته كان ترادف أجزاء السواد ذاهباً ببهجة تمام الحسن؛ وقد يسلس السجع في مكان دون مكان، والاسترسال أدل على الطبع، والطبع أعفا، والتكلف مكروه، والمتكلف معنى، والناس بين عاشق للمعاني وتابع لها فالألفاظ تواتيه عفواً، وكلف بالألفاظ والمعاني تعصيه أبداً؛ فأما من جمع بين هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015