وقال الفارسي: البلاغة معرفة الفصل من الوصل.
وقال إبراهيم الإمام: يكفي من حظ البلاغة أن لا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق، ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع.
وهذا الحكم من إبراهيم مبتور، لأن الإفهام قد يقع من الناطق ولا يكون بما أفهم بليغاً، والفهم قد يقع للسامع ممن ليس ببليغ ولا يكون بليغاً، وليس اشتراكهما في التفاهم بلاغة.
البلاغة أن يصيب الناطق بالطبع الجيد، أو الصناعة المجتلبة، أو بهما، وإن ساء فهم السامع لقصور طباعه، أو بعده عن أسباب الفضيلة. ومن ذا الذي هجا البليغ لأن السامع لم يفهم، أو هجا السامع لأن الناطق لم يفهم؟ وإنما البليغ الذي يبلغ القصد بأقرب طرق الإفهام مع حسن الغرض، وليس أقرب طرق الإفهام تقليل الحروف وأختصار المراد؛ قد يكون هذا، ولكن أقرب الطرق في الإفهام أن تكون الغاية مثالاً للعقل، ثم يكون المعنى مسوقاً إليها، واللفظ منسوقاً عليها، فهم السامع أو قصر. ثم ليس هذا المعنى مقصوراً على العربية، بل هو شائع في النفوس، مستمد من العقول، معروف