لا يسلم منهن أحد: الطّيرة، والظن، والحسد. قيل. فما المخرج منهن يا رسول الله؟ قال: إذا تطيّرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ".
وقد حصل الآن لنا من علوم ما تبين عنه الأشياء بذواتها "يقين": وهو ما تعترف العقول بصحته، ويلزمها الإقرار به؛ و"تصديق"، وهو ما تقتنع النفوس به، وإن كان من الممكن أن يقع غيره أوكد من موقعه؛ "وظن" قد احتيط فيه حتى وقع موقع اليقين عند مستعمله.
وقد شبهت القدماء اليقين من هذه العلوم بحكم القاضي، والتصديق بحكم صاحب المظالم، والظن بحكم صاحب الشرطة، وطلبوا في الأشياء اليقين؛ فإذا وجدوه تركوا غيره، فإذا عدموه طلبوا الإقناع الذي يقع به التصديق، فإن وجدوه أخذوا به، وإن لم يجدوه أعملوا الظن حتى يستخرجوا به علم ما يحتاجون إليه. وكذلك الحقوق إنما تطلب من الحكام بالبينات العادلة، والشهادات القاطعة فيما يحضره العدول، فإن كان الحق مما لم يشهده العدول، وطلب من أصحاب المظالم الكشف ومسألة أهل الخبرة من المشهورين، والمجاورين؛ فإن كان مما لم يشهده أحد وآخر سراً طلب من صاحب الشرطة فيوقع الظن على أهل التهمة ومن قدر جرت عادته بالريبة، فيبسط عليهم، ويحتال في تقريرهم إلى أن يظهر ما عندهم؛ وقد يجوز أن يكون فيمن توقع التهمة عليه من هو برئ