مخارج الأمر والنظر فيه، فليحترس الوزير من ذلك أجمع، يستقم له أمره، ويتكلم عليه سره. وإن ظهر من مشير على أنه لم ينصح له فلا يكشفه عن مذهبه، فإنما هو أحد رجلين: إما رجل تعمد الغش، فذلك أهل لأن تسقط منزلته، ولا تستعتب فيما أتاه، لأنه إنما يستعتب من يراد إصلاحه، وإما رجل اجتهد فأخطأ، فليس ينبغي أن يعنف على خطأ لم يعتمده؛ وهذا من أوصاف المستشار، والمشورة مع ما تقدم كاف.
صاحب الخبر:
وأما صاحب الخبر فينبغي أن يكون من أصح عماله ديانة، وأكملهم أمانة، وأظهرهم صيانة، لأنه مأمون على الدماء والأموال، وهو عين الوزير التي ينظر بها في رعيته، ورائده في مصالح من تحت يده، فليس ينبغي أن يتقدمه أحد في الصدق والثقة والأمانة غير القضاة ومن جرى ومن جرى مجراهم، ومتى نصب الوزير لرفع الأخبار من يخالف هذه الصفة فقد غش نفسه، وأضاع الحزم في سياسته، وخان الأمانة في رعيته. وعلى الوزير أن يوسع على صاحب الخبر في رزقه، ويشتري بذلك دينه وأمانته، ويعلمه أنه إنما فعل ذلك به من بين نظرائه لئلا تشره نفسه إلى أموال الرعية، ولا يحتاج إلى استئكالهم أو التكسب منها، ثم يعلم أنه متى ظهر على أنه ولد خيراً في خاصي أو عامي، وكذب فيه لانحرافه عن إنسان، أو هواه فيه، أو لغرض يفيده بما يأتيه، وأتى من عقوبته ونيله بالمكروه في نشره ما يؤدب به أمثاله من أهل طبقته، ليتفقد أحواله، ويفحص في السر والعلانية عنه، فمتى وجده قد أتى شيئاً مما نهاه عنه، وزجره عن فعله حقق له ما يواعده به.