وأنا اقول: ولا تشاور إلا من جمع النصيحة والعقل، فإن نصيحة من لا عقل له غير نافعة، وعقل من لا نصيحة له ربما أوقع في ورطة. وقال بعضهم: لا تشاور أحداً في شيء له خيره وعيله شره، فإنه ربما أذهله الخوف أو الطمع من تصفح ما تسبق إليه النفس، ولكن شاور فارغاً عاقلاً محباً للصواب معنياً به، لا يبالي إن كان ذلك لك أو عليك، فرد هذا القول أحمد بن الطيب وقال: "هذا عندي فاسد، لأن مشاور العاقل المحب إذا كان شريكاً في الأمر أحرى بالصواب، ولأن الحاجة تبعث الحيلة، وليشاور فيما يحتاج إلى المشاورة فيه ذا الرأي والنصيحة من ثقاته وبطانته، ولا يضره أن يعم المشورة فيما لا يبالي بإظهاره من أراد أن يخلطه بثقاته، ويعرفه أنه قد جعله في منزلة من يستشيره ويستنصحه ويعمل برأيه، فأما ما تكره إذاعته فالتذكره عند الضرورة إلى المشورة فيه للبطانة واللموثوق بها دون غيرها، ولكن ذكره له بالنظائر والأشباه، لا بالتصريح والإفصاح وكانوا يكرهون أن يشاوروا في الحروب خوفاً من ظهور السر أو بدو العورة، ولذلك قيل: ما استطعت أن نحترس في الحرب بكتمان سرك ممن تقاتل فافعل.
إذاعة السر:
واعلم أن إذاعة السر من وجوه: منها المستشار، ومنها وضع الثقة في غير موضعها، ومنها الاستهانة بمن يحضر السر من صغار الخدم، ومن لا يؤبه له من العجم، ومنها لحن القول، ومنها الفراسة، ومنها تعقيب