بغير مال، وإن حفظه ولم يثمره لم تمنعه قلة النفقة والتقتير فيها من سرعة الفساد، كالكحل الذي إنما يستعمل منه مثل الغبار وهو مع ذلك سريع فناؤه لبثه، وإن هو أفاد وحفظوا ثمر ولم ينفق كان الفقير الذي لا مال له، إذ ليس يصل إليه من نفع ماله شيء في عاجله ولا آجله، ولم يمنع ذلك ماله من أن يفارقه، ويذهب عنه كالماء الذي يجتمع من مسيل الأودية والأشجار، فإذا لم يكن له مغيض يخرج منه بمقدار ما ينبغي تحلب وسال من جوانبه، وربما انبثق منه البثق العظيم، فذهب الماء ضياعا.
والذي به فائدة السلطان عمارة البلاد، وغزو الأمم المخالفة، فإن بعمارة البلاد يكثر الفيء، وبالغز وتكثر الغنائم. وأما الوجوه المحمودة فهي لزوم العدل في جميع ذلك، وشريعة الدين. وأما التقدير في النفقة فأن يكون الإنفاق دون الفائدة، فهذا أصل ما يتوفر به مال السلطان ويستقيم عليه حاله إذا ساس به الوزير أمره.
معاملة الوزير لخاصته:
وأما معاملته لخاصته، فإن خاصة الوزير أربعة، وهم: صاحب سره ومشورته، وصاحب خبره، وكتابه، وحاجبه. أما صاحب السر والمشورة فينبغي أن يكون أوثق أصحابه في نفسه، وأشدهم مشاركة له، وصحبته لا تقتصر منه على المحبة والمشاركة حتى يكون ممن يجمع معها رأياً وجودة معرفة، واجتهاداً في النصيحة. فقد قيل: شاور نصيحاً أو عاقلاً،