ثم لم يستعن به في شيء من أمره، فإذا فعل ذلك أوشك أن تستقيم طرائقهم وتصلح خلائقهم، ولا يميل بهم الشر إلى إسقاط أنفسهم.
معاملة الجند:
وأما معاملته الجند فينبغي أن يختار منهم ذوي البطش والقوة، والحيلة والحنكة، ممن قد عرف الحرب وجربها، ومارسها وصُلي بها ممن يحسن حمل السلاح ويعمل به، ويضع الإقدام موضعه، والانحياز موضعه، ولا يجمع به الغضب والبسالة إلى التهور في الهلكة، ولا يحمله حب الحياة على الفرار، والرضا بما يورث العار، فإذا ظفر بمن هذه صفته تمسك به، وقدمه على غيره من جنده، وإن ظفر بمن له الجلد والقوة، ولم تكن له الحنكة والتجربة، قارن به ذوي الحنكة وأمره أن يطيعهم، ويتصرف في أمرهم، فإن أمير المؤمنين - عليه السلام - قال: "موقف الشيخ في الحرب أعجب إلي من مشهد الغلام". وإن ظفر بذي الحنكة والتجربة والرأي والمكيدة، وكان عادماً للجلد، جعل بين يديه من هذا الصنف من يتدبر بتدبيره، ويتصرف على إرادته، لتجتمع له الحالان من جماعة إن عدمها من واحد. ثم ينبغي له أن يجمل الغرض في سياستهم، أن يجتمع له في صدورهم المحبة والهيبة، وأن يكون بعضهم في موافقة بعض، والتآلف معه كأعضاء الجسم في تآلفهم وتعاونهم، وأن يتفقد من أمورهم ما يعود عليهم بفضله، ويكفون به مئونة أنفسهم، ومن يلزمهم أمره، وأن يزيد ذا البلاء منهم، والطاعة في مرتبته ومنفعته، ليستدام بذلك ما حمد منه، وارتضى من فعله، وينافسه من لا له فيما يرى من الزيادة والمنفعة