ومتى تكافأت الشهادات عنده ممن هذه سبيله في الستر والخبرة، وتوازنت الاستفاضة والشهرة، حتى لا يوجد في أحدهما من القوة على صاحبه، ومشابهة الحق في بعض أحواله، ما يجوز له أن يغلب على الخير ويحكم به، وأعجزه مع ذلك أن يوقع بين الخصوم في منازعتهم صلحاً يرضون به ردهم إلى القاضي ليقطع بينهم المحادثة باليمين التي جعلت عوضاً من البينة، فليس بين كاتب صاحب المظالم، وبين كاتب القاضي كبيير فرق يذكر فنستقصيه.
كاتب الديوان:
وأما كاتب الديوان فيحتاج مع ما قدمنا من الأوصاف أن يكون جيد الفهم، صحيح الذهن، عارفاً بأحكام الديوان، غير جاهل مع ذلك بأحكام الديوان، غير جاهل مع ذلك بأحكام ذلك الحكام، ويكون مع هذا قد عرف أصول الأموال التي تحمل إلى بيت المال وأقسام وجوهها، وكيف كان السبب فيها، وأحكام الأرضين في وظائفها وأملاك أهلها، وما يجوز للإمام أن يقطعه منها ووجه تفرقة الأموال وسبيلها، وما يجوز في جميع ذلك مما لا يجوز، ونحن نذكر باباً باباً من ذلك بأخصر ما أمكننا فيه إن شاء الله.
وجه الأموال:
وجوه الأموال ثلاثة: فيء، وصدقة، وغنيمة، أما الفيء فمعناه ما رجع على المسلمين نفعه، وهو مأخوذ من فاء يفيء، بالعشي إذا رجع،