وقالوا: "اللسان مقصور على الشاهد، والقلم ينطق في الشاهد والغائب".

وقال بعضهم: "استعمال القلم أجدر أن يحضر الذهن عن تصحيح الكتاب، من استعمال اللسان على تصحيح الكلام" والكتاب يقرأ بكل مكان، ويدرس في كل زمان، واللسان لا يعدو سامعه، ولا يتجاوز إلى من بعده، وقد بين الله - عز وجل - فضيلة الكتاب والخط ومعوتهما على الحفظ والضبط فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} ثم بين العلة في أمره بذلك فقال: {وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} وإنما وضع الجناح في ترك كتب التجارة الحاضرة، لأنه ليس يجري فيما يكون مؤجلاً، ولما كان هذا موقع الكتاب في النفوس بين المعونة على الحفظ والنفي للشك خاطب الله - عز وجل - الناس من ذلك بما يعرفون، فقال: {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وقال: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} فقال: ذلك على المجاز والتعارف، وإلا فهو غير محتاج في علم ما كان ويكون إلى كتاب من ينسى ويغفل، والله - عز وجل - لا ينسى ولا يغفل وقد شرف الله - عز وجل - منزلة الكتاب وأحوج الناس إليهم، وأمرهم بمعاونة من استعان بهم، فقال: {وَلا يَابَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} ولو لم يكن فضل الكتابة إلا أن الله سبحانه مدح الملائكة بها فقال: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015