بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين
باب
البيان الرابع وهو الكتاب
قال أبو الحسين إسحاق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب: قد ذكرنا فيما تقدم من كتابنا هذا نعمة الله - عز وجل - على عباده فيما ألهمهم إياه من الكتابة، ودللنا على حكمته سبحانه في ذلك، وأنه أراد إتمام منافعهم، وإيجاب الحجة عليهم، فإنه لولا الكتاب الذي قيد علينا أخبار من مضى من الرسل، ونقل إلينا ما أتوا به من الكتب لما قامت - لله سبحانه - حجة علينا إذ كنا لم نشاهدهم، ولم نسمع حججهم، ولم نعاين آياتهم. وانقرضت العلوم والروايات بانقراض أهلها، وموت من تحملها، ولم يبق في أيدي الناس من ذلك، ومن أخبار الماضيين، وآثار المتقدمين إلا اليسير مما يلقاه الخلف عن السلف، وكم عمي أن يكون ذلك، وما يرى أن نبلغ من العلوم الحالية، والأخبار الماضية، فلما أعطاهم هذه الموهبة قيدوا بها ذلك أجمع، وحفظ فصار من قرأ كتب الأولين وتأمل أخبار الماضيي، كمن عمر معهم، وكان في أيامهم، وأخذ عنهم، وسمع منهم، ولذلك قيل: "الكتاب أحد اللسانين لأنك إذا قرأت كتاباً كأنك قد سمعت لفظ صاحبه. وقيل القلم أبقى أثراً واللسان أكثر هذراً.