منه، وإن تريه أنك قد عرفت ما أراد.

وإذا بلي بالجواب عن شيء قد سئل عنه هو وجماعة معه، فلا يبادرهم بالجواب، فيكونوا متعقبين لقوله، آخذين بأحسنه، ممكنين من عيبه، بل يكون آخرهم جواباً، فإنه يجمع بذلك أخذ محاسن قولهم، وتعقب آثارهم، والسلامة من عيبهم وطعنهم، وليدع التطاول في المجالس على أهلها بالقول مما يعرض له من الصواب لئلا يظنوا أنه يريد التكبر عليهم، والوضع منهم فيعاودوه، وليكن قصده بحضرة العلماء أن يعرفوا منه أنه على الاستماع أحصر منه على القول، فإن نازعته نفسه إلى القول بحضرتهم - وهم نقاد القول وجابذته - فلا يخرجن منه إليهم إلا ما كان صحيحاً جائزاً، وليستحسن من تكذيب صاحبه في حديثه. وإن كذب فأراد تنبيهه على كذبه تلطف له في ذلك بألطف القول، فإنه يجمع بذلك البقيا على مودته، وقضاء حقه في التأني لإصلاح خلقه، وليحدث الناس بما يعرفون، ويعفيهم مما يكرهون، تدوم له بذلك مودتهم. وقد روي عن الصادقين - عليهم السلام -: "رحم الله من حببنا إلى الناس بأن حدثهم عنا بما يعرفون" وليعلم أن لسانه آفة مرسلة عليه إذا أطلقه فليضبطه.

وقد روي عن العباس بن عبد المطلب أنه قال لابنه عبد الله: يا بني احفظ لسانك إلا مما لك، وانه نفسك إلا عما أمرت به، وإذا غلب على الكلام فلا يغلب على السكوت، فقد قيل: إذا فاتك المنطق،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015