خدعت محمداً ثلاث مرات، ومما يقبله العاقل مدح من مدحه بما فيه، ولم يخرج في وصفه عما يستحقه بمساعيه، فقد سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدح وأثاب عليه، فأما إذا رأيت المادح يزكيك بما ليس فيك، ويواريك ويريد أن يخدعك عن نفسك، ويغمز جانبك، فلا يكونن من شأنك الإصغاء إلى قوله، ولا الاستماع منه، ولا الرضا بمنطقه، فإن ذلك ثلمة في عقلك، فإن لم تسدها اقتحم الناس عليك منها، وتوصلوا إلى حوائجهم منك بها، ثم لم تسلم بعد ذلك من غيبتهم لك، وضحكهم منك. وقد قالت الحكماء: "قابل المدح كالمادح نفسه"، وإنما قالوا ذلك لهذه الطبقة من المادحين، وهم الذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يحثي التراب في وجوههم.

ومن المقبول أيضاً إطالة القول فيما أريد به تأنيس المستوحش، وتسكين روع المرتاع، فإن ذلك مما قد امتدحوا به فقال شاعرهم:

(سَلي الطارقَ المَعَترَّ يا أُمَّ مالكٍ ... إذا ما اعتراني بين قِدرِي ومَجزِري)

(وأَبسُط وَجْهي إنه أول القِرَا ... وأبذُل معروفي له دون تنكيِري)

وقال آخر:

(أحدِّثُه إن الحديثَ مِنَ القِرا ... وتعلم نفسي أنه سوف يهجعُ)

ومما يتسع فيه القول، ويكون عند ذوي العقل مقبولاً، أن يجد القائل فيمن يقصد القول فيه مقالا ًبما يظهر من خلقه وفعله، ونقصه أو فضله، فيكون المادح له، أو الذام لفعله منبسطي اللسان، غير كليلي البيان، ويكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015