ينفعه، ويصبر في ساعة الخوف تحت ظلال السيوف إذا علم أن الصبر خير له، فإن كان ممن تعرفه بعداوة وسوء نية، وخبث طوية، رددت عليه قوله على استماعك المكروه الذي حصل له، فإن في الناس من يريد عيب عدوه والإشادة بمساويه، فلا يجد طريقاً إلى ذلك أبلغ وأسهل من الوعظ والنصيحة، لأنهما يشتملان على ذكر عيوبه، فهو يبلغ مراده من فضيحته والإغلاظ من حيث لا يستحق في الظاهر لوماً منه، ولا مكافأة على قبيح ما يلقاه به، وقد ذكر "أردشير" هذه الطبقة وزرايتها على الملوك وتوصلها إلى عيبهم بالوعظ، وحذر منهم، وعرف الملوك كيف السبيل إلى الراحة منهم، ونحن نذكر قوله إذا صرنا إلى موضعه، فاعرفهم أنت وأنزلهم منزلهم، وقد حكي عن بعض أهل هذه الطبقة أنه قال لبعض الخلفاء: "إني أريد أن أنصحك يا أمير المؤمنين بكلمات، فاحتمل إغلاظي فيها"، فقال: لا ولا كرامة، إن الله بعث من هو خير منك إلى من هو شر مني، فقال له: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} ومن ذلك قبول العذر ممن اعتذر إليك إن صدق في عذره، وإن كذب، فقد قال الشاعر:
(اقبَل معاذير مَن يأتيكَ مُعتذِراً ... إن بَرَّ عندك فيما قالَ أو فَجرَا)
(فقد أطاعَكَ من أرضَاك ظاهرُهُ ... وقد أجَلَّك من يعصيك مستترا)
فإذا قبلت معذرته، وأقلته عثرته مرة بعد أخرى، وثانية بعد أولى، ورأيته مقيماً على الإصرار، ولا يزيدك على الاعتذار، عند تخوفه عواقب الإنكار، علمت أنه يريد مخادعتك، فيطلب الحيلة عليك، فحينئذ لا تقبل عذره، وتأس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما صنعه ببعض أسرائه وأحسبه أبا عزة فإنه أمر بضرب عنقه وقال: "لا تقعد في نادي قومك فتقول