لسامع ذلك منهما قابلاً مصدقاً، ولقولهما فيه محققاً، وقد قال الشاعر:
(بهواك صيَّرني العذور نَكالا ... وجَدَ السبيلَ إلى المقال فقالا)
وقال آخر يعتذر من تركه مديح قومه:
(فلو أنَّ قومي أنطقتني رِماحُهم ... نطقتُ ولكنّ الرِّماحَ أجَرّتِ)
ومما تقبل فيه الإطالة، المذاكرة بالعلم، فإن مذاكرة الرجال تلقيح لألبابهم، وروي عن الصادقين - عليهم السلام - المذاكرة بالعلم عبارة حسنة، فهذا ما في المردود والمقبول.
وأما المهم والفضول: فإن المهم كل ما دعت الإنسان حاجة إليه في قوام معيشته وإصلاح عاقبته، أو سياسة نفسه وخاصته، وذلك مطلق له الكلام فيه، وغير مستقبح منه الطلب له من حيث لا يشوب المبالغة بالهذر، ولا الطلب بالطمع، ولا المسألة بالإلحاف، ولا الوعظ بالتسليط، ولا الأمر بالعنف، ولا النهي بالغلظة، ولا التنبيه على الذنب بالتوبيخ، فقد قال سفيان بن عيينة: يستحب للعالم إذا علم ألا يعنف، وأن يتلطف فيما قاله حتى يأتي به على ما ذكرناه، فيبلغ مراده من حيث لا يلحقه عيب ولا ينسب إلى تقصير، وقد أمر الله - عز وجل - بالكلام فيما تدعو الحاجة إليه، وبالرفق واللين والتأني، فقال - عز وجل -: {خُذِ الْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وقال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} وقال: