وغرابتها وامتناع دعاتهم في إظهارها لهم، والنفس طلعة، وهي ضنينة بما تمنعه، وليس عندها فيما قدرت عليه من الرأي والهوى مثل الذي عندها من الغريب المستطرف، وكل ما كان في ملك غيرها كانت إليه أشوق، ونحوه أتوق، ولهذا صار أزهد الناس في العالِم جيرانه، وصار الإنسان بما استفاده منه أشد ضناً مما ورثه، فاحترس من هذا الباب، ولا تراعين في مستطرف من المور إلا ما كانت أمارات الحق فيه ظاهرة، والشكوك التي تعرضه واهية فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "شر الأمور محدثاتها وقال: وكل محدثة ضلالة" ولا يثقل عليك الحق، وإن كبر عليك استماعه، ولا تملنه وإن كثر على سمعك مروره، فإن الحق جديد لا تخلقه الأيام.
وأما المقبول والمردود: فإن المقبول كل ما أريد به المنفعة من الأمور التي ذكرناها وعددناها، وكانت القلوب له قابلة، وبفضل اقتنائه غير جاهلة.
والمردود ضد ذلك، فما ينبغي أن يقبل وعظ من واعظ، ونصح من نصحك بما وقرك فيهما، وألان لك القول فيما يورده عليك منهما، وإن تعجرف مخاطبك في ذلك بما يغلظ عليك استماعه، فإن كان ممن تثق بنيته، ولا تثريب بمودته وطويته، تشجعت على الصبر له، والقبول منه، وكنت كالعاقل الذي يتشجع على أخذ الدواء الكريه إذا علم أنه