فتودد إلى الناس جهدك، واجعل نيل محبتهم وكدك، فإنك لن تعدم بذلك مروءة كريم، أو أمن عداوة لئيم، فتكون قد نلت المحبوب وكفيت المرهوب، إن شاء الله.
وأما الأخذ بالمشهور من الحديث والقول وحكايته، وترك الغريب والمنكر منهما، واجتناب روايته: فإن المنفعة في ذلك عظيمة، والفائدة جسيمة، وذلك إنك تحرز به النبل في عيون الناس، والجلالة في صدورهم، ومتى أخذت بالشذوذ، وبالبديع والغريب من الأحاديث والروايات، وأحكمت ذلك، ونقلته كنت عند الناس غير محصل، ولا يغرنك: "إنما أحكي ما أسمع" فكفاك عيباً أن تحكي كل ما تسمع لأن أكثر ما تسمع الباطل، وإنما الحق جزء من أجزاء كثيرة مما تسمعه، وقد قيل: "حسبك من شر سماعه"، فكيف حكايته وفعله، ومن رضي بأن يكون حاملاً للأباطيل، ورواية الأكاذيب، فقد رضي بما لا يرضى به اللبيب، فإن استطعت فلا تحكي إلا ما تصدق فيه، وما لا تحتاج إلى إقامة شاهد عليه فافعل، فهو أولى بك إن كنت من أهل التحصيل، وأردت أن تسلم من العيب والتجهيل، فقد روي عن بعض الأعراب أنه قال: إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك أعذاره، فليس كل من حكى عنك نكراً يوسعك عذراً، واحذر الحذر كله من شهوة الاستطراف، وطلب الغرائب، فإن كثيراً من الناس يطلب ما كان طريفاً، ولم يكن عند الناس معروفاً، وذلك لما في النفوس من التطلع إلى استماع ما يسمعوه، والكلف بما لم يعهدوه ويعرفوه، وكلما كان الشيء ليس عندهم كان إليهم أعجب، ومن قلوبهم أقرب، ومن هاهنا ضل كثير من الناس، ودخلت عليهم الشبهة في اعتقاداتهم ودياناتهم، فإنك إذا نظرت في كثير من مذاهب أهل المذاهب وجدتها لم تنفق على أهلها إلا بطرافتها