ظلالا ورقت زلالا وعلت مِثَالا وغلت منالا فقصرت عَنْهَا أَوْصَاف من تَعَالَى وتغالى وَلَو وجدت لِسَانا قَائِلا لوجدت فِيهَا مقَالا لَا يعثر عَنْهَا من أطلق لِسَان وصفهَا فَيكون مقَالا وَلَقَد أتعب فَضلهَا وفصلها كل مجار ومجاز وحصلت من ذخائر هَذِه الصِّنَاعَة على الْحَقِيقَة وقصارى المقصر أَن يحصل على الْمجَاز وَأُوتِيت أقلامها مَا أُوتيت سيوف الشجعان من بسطة الابتزاز وَعزة الاهتزاز وأضحت كتبهَا تتهادى بَين الرائين والسامعين وَعرضت على البلغاء فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين وَجعلت لَهَا أَرض البلاغة ذلولا فمشت مِنْهَا فِي المناكب وَبلغ ملكهَا مِنْهَا مَا زوي لسَيِّد الناظرين صولات الله عَلَيْهِ من الْمَشَارِق والمغارب وانشئت كتبهَا عَن يَدهَا فَهِيَ عرضة للاثمين وأبديت الشَّهَادَات بفضلها {وَلَا نكتم شَهَادَة الله إِنَّا إِذا لمن الآثمين} وَصَارَت أَوْقَات وُصُول النجابين مواسمها الَّتِي يحجّ فِيهَا إِلَى حرمهَا وغدت كل فقرة مِنْهَا يتيمة فَكل لِسَان مُجْتَهد للشكر فِي صلَة رَحمهَا وَإِذا كَانَ ذَلِك شَأْن من لم يكن بهَا معنيا وَمن رُبمَا كَانَ سر سرورها عَنهُ مكنيا فَمَا الظَّن لمن يتقلد مِنْهَا للفخر برهانا وتضمن لَهُ خوالد محاسنها أَن تبقى بعد الزَّمَان زَمَانا وتلين صخرية فكره فَيكون بهَا على توليد الْمعَانِي معانا وَالله سُبْحَانَهُ لَا يعدمني مودتها وينجز فِي ذمَّة السعد موعدتها وَلَا يسلبني مورد كتبهَا بل موردتها
واما عود الْجَارِي إِلَى معهوده وإشراف السُّؤَال على مَقْصُوده فقد كنت متحققا أَن ذَلِك السَّحَاب لَا يمسك عَن طبعه وَأَن الْمَسْأَلَة تمر بهَا فِي يَده عِنْدَمَا تمر على سَمعه وَمَا يستكثر لَهَا كثير فَإِن النَّفْع بهَا أَكثر وَلَا أكتب واشعر مِنْهَا إِلَّا الْيَد الَّتِي تكْتب عَنْهَا فَإِنَّهَا فِي المكارم أبلغ واشعر وَلَا يتحامل الدَّهْر على مرتع حظها الْأَخْضَر مَا دَامَت تحمل الْقَلَم الأسمر وَلَا تقصر عَن غايات الأجود مَا دَامَت تقوم بِحجَّة الشعار الْأَصْفَر فِي مناضلة بني الْأَصْفَر
وَأما الْكتب العراقية الَّتِي كتبهَا فقد تأملتها متصفحا وتصفحتها متأملا وقرأتها معاودا وعاودتها قَارِئًا فَإِذا هِيَ من المعجز الَّذِي لَا يَنْبَغِي لأحد من بعْدهَا وَمن البديع بل الْبَدَائِع الَّتِي لَا يقدر إِلَّا فِي سردها وَمَا البلاغة إِلَّا مَا غاصت على دره وَتركت النَّاس على سَاحل بحره فَإِن فَازَ فائز فِيمَا نفثه من حصبائه وَإِن تشبع متشبع فِيمَا ازْدَردهُ من غثه وغثائه وَمَا أشبه الْكَلَام مَعهَا إِلَّا بالحديد أَن قلمها داوده وَلَا كتبهَا فِي البديع إِلَّا بمحشر سُلَيْمَان وَقد عرضت عَلَيْهِ جُنُوده (الْكَامِل)