متقابلة، وهي طريقة أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه، وطريقة ابن المقفع، وسهل بن هرون وغيره.
ولا يجعل كل الكلام فناً واحداً شريفاً قبل أن يفصله فإن الكلام كالقعد إن كان كله ثميناً لم يكمل حسنه. أرصف كلامك لتكون كل كلمة مكانها وإلا كان كالجسد المنكوء من الأعضاء.
واعلم أن الألفاظ أجساد، والمعاني أرواح، فإذا قويت الألفاظ، فلتقوا المعاني؛ ليحمل بعضها بعضاً.
واقصد القوافي الحسنة، ولا تقصد المستهجنة، فإنها حوافر الشعر.
واقصد الأوزان الحلوة دون المهجورة؛ فإنها أحلى في القلوب، واجعل كلامك في التوقيعات وعليك بالمقطعات فإنها في القلوب أجود وفي المجالس أجول وبالأسماع أعلق وبالأفواه أعبق. وإذا نثرت منظوماً فغير قوافي شعره عن قوافي سجعه؛ وإذا سرقت معنى فغير الوزن والقافية ليخفى ولا يظهر.
وإذا أخذت شعراً فزد على معناه، وانقص من لفظه، كما يطعن به عليه، فحينئذ تكون أحق به.
وإذا تقاربت الديار تقاربت الأفكار، ولهذا قالوا: الشعر محجة يقع فيها الحافر على الحافر.
واعلم أن من الناس من شعره في البديهة أحسن منه بالروية وبالعكس. وفي الناس من إذا خاطب أبدع، وإذا كاتب قصر، وبضد ذلك؛ ومن إذا قوي نظمه ضعف نثره وبالضد، وقلما يتساويان؛ وقد يبرز الشاعر في معنى دون غيره، وكما قالوا: أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا شرب.
وامدح بأخلاق النفس دون أخلاق الجسم؛ وامدح كل واحد بما يليق به.