باب

التهذيب والترتيب

اعلم أن التهذيب والترتيب هو أن يحصل المعنى قبل اللفظ، والقوافي قبل الأبيات.

ويقصد الكلام الجزل دون الرذل، والعذب دون الجهم. ولا يعمل نظم ولا نثر عند الملل، فإن الكثير معه قليل، والنفيس خسيس، والخواطر ينابيع، فإذا رفق بها جمت، وإذا عنف عليها نزحت.

وليكتب كل معنى يسنح، وكل لفظ يعرض، وليترنم بالشعر وهو يصنعه؛ فإنه يعين عليه، فقد يجيد الشاعر ويمكنه مرة، ولا يمكنه أخرى.

وإياك وتعقيد المعاني، وتقعير اللفظ، وليجعل المعنى الشريف في اللفظ الظريف، لئلا يتلف أحدهما الآخر، ومتى عصي الشعر فاتركه، ومتى طاوعك عاوده، وروح الخاطر إذا كل، واعمل في أحب المعاني إليك، وكل ما يوافقه طبعك فالنفوس تعطي على الرغبة ما لا تعطي على الرهبة.

واعمل الأبيات متفرقة على ما يجود به الخاطر، ثم انظمه في الآخر، وحصل المبدأ والمقطع والخروج، فهو أصعب ما في القصيدة، وميز في فكرك محط الرسالة، ومصب القصيدة؛ فإنه أسهل عليك: وأشعرها أولا وهذبها أولا وهذبها آخراً فقد قيل عن الحطيئة: إنه كان يعمل القصيدة في شهرين، ويهذبها في حول. وقيل عن زهير: إنه كان يعمل القصيدة في شهرين ويهذبها في حول، ولذلك سمي شعره: المنقح الحولي.

ولا يسرف الكاتب في الشكر لأنه إبرام وتثقيل، ولا في الدعاء فإنه تكسب من السلاطين وكان المتقدمون يتركون السجع، لكن تكون كلماتهم متوازنة، وفصولهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015