دخل شيخ الإسلام ابن تيمية مصر سنة (705هـ) فأدخلوه السجن، خافوا منه أن ينشر العلم في البلد، فظهرت فتيا الطلاق، وهذه من العجائب! الآن في مصر والشام وفي سائر البلاد العربية وأغلب البلاد الأعجمية يأخذون بفتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في الطلاق، ولكن أغلبهم لا يأخذ بها لأنها الحق، ولأنها وجه التشريع للناس، ولكن لأنها التيسير.
أهل المذاهب الأربعة يقولون: إذا قال رجلٌ لامرأته بنفس واحد: أنت طالق ثلاثاً، فإنها تبين منه، سواء كان في حالة غضب أو لا، ولا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره، فقام شيخ الإسلام ابن تيمية في القرن السادس فقال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام وأبا بكر ووصدراً من خلافة عمر كانوا يجعلون طلاق الثلاث بلفظٍ واحد طلقة واحدةً، فلما تتابع الناس على لفظ الطلاق واستهزءوا به، والكل يقول: عليَّ الطلاق وإذا امرأته طالق، أراد عمر أن يردعهم ويزجرهم، فقال: إن الناس قد تتابعوا في أمر كان لهم فيه سعة، أفلا ترون أن أضيقه عليهم عقوبةً لهم؟ فوافقوه، فصارت الفتوى كذلك، وهذه فتوى الأئمة الأربعة والجماهير: أن من قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً بلفظ واحد أنها قد طلقت ثلاثاً وبانت منه.
فجاء شيخ الإسلام ابن تيمية وقرر المسألة وأتى بأشياء، ولكن عندما تقرؤها تقلب كفيك عجباً من دقة استنباطه للنصوص ودفاعه عن الأحاديث، المهم انتصر شيخ الإسلام في هذه المسألة، فقامت قيامة الدنيا، وقالوا: هذا الرجل يلعب بأنكحة المسلمين، فمعنى: أن رجلاً يقول لامرأته: أنت طالق ثلاثاً ونحسبها طلقة واحدة وهو يردها لزوجها، إذا: ً ابن تيمية أباح الزنا، ولم يبق إلا أن يقولوا: ابن تيمية يجيز الزنا، كيف يجيز الزنا؟!! يقولون: لأجل لفظ الثلاث بالطلاق مرة واحدة فالمرأة لم تبن منه بينونة كبرى، ومع ذلك مضت الأيام والسنون وإذا فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية يتبنونها في القضاء وفي المحاكم وفي لجان الفتوى، ليس لأنه الحق لكن لأنه التيسير، فنحن لو أخذنا بفتوى العلماء الأربعة يبقى (999) من ألف، فأخذوا بها، وعندما دخل شيخ الإسلام ابن تيمية السجن أنكر عليهم أول ما دخل ولم يمكنهم من ممارسة اللهو واللعب، حتى تحول السجن إلى حلقة علم، ومن الغرائب: أن المسجون الذي كان يأتيه الفك بالخروج لا يريد أن يخرج، والذي خارج يتمنى دخول السجن لوجود هذا العالم المبارك، أعداؤه عندما نظروا إلى هذا الرجل انذهلوا، وألبوا عليه فطلبوا نقله إلى سجن الإسكندرية، فنقل إلى سجن الإسكندرية حتى جاء السلطان محمد الناصر وسأل ابن تيمية عن مسألة فأحبه وهو رجل بطل مغوار قائد شجاع يُكسب، عندما تكسب القادة العسكريين تتحطم أمامك الأبواب نتعلم من ابن تيمية على الأقل تقييد القلوب، فسأل عن ابن تيمية فقالوا: هو في سجن الإسكندرية فأرسل إليه وجعل الحكام يعتذرون له ويقول: اجعلني في حل، قال: أنت في حل، وكل من عاداني، ولا يعلم أنني على الحق في حل، انظر إلى السماحة! وما تركوا ممكناً في إيذائه إلا فعلوه، حتى وصلوا إلى أنهم ذهبوا إليه في المسجد وضربوه، فأتى أناس من أتباع ابن تيمية وأحلافه وقالوا له: نحن أتينا إليك؟ قال: لم؟ قال: ننتصر ممن ضربك، قال: إن كان الأمر لي والحق لي فقد أحللتهم، قالوا: لا بد أن نفعل، قالوا: إذاً افعلوا ولا تأتوني بعد ذلك، فكفوا، فقال: أنا أحل كل من عاداني إلا من كان عدواً لله ورسوله، ثم استمر عدة سنوات.