العلماء والقضاة تنكروا للرجل بعد واقعة شقحب، التي كان من المفروض أن يدين أهل الإسلام بالولاء له بعدها، فعندما توجه التتار نحو مصر بعد أن غزوا العالم كله وفتحوه، حتى إن هولاكو كان إذا أرسل رسوله ومعه رقعة وكتب فيها: أنا سآتي، فترتعد فرائص كل من في البلد؛ لأن هولاكو كان معروفاً بسفك الدماء والإفساد في الأرض، فبدأ ابن تيمية يدعو الناس للجهاد ويحثهم عليه، ووجد السلطان خائفاً فطمأنه، وقال: إننا لمنصورون هذه المرة، فقال السلطان: قل: إن شاء الله، قال له: تحقيقاً لا تعليقاً، ثم يقسم بالله: إننا لمنصورون عليهم هذه المرة.
قال ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب، حتى قال السلطان لبعض الحجاب: أرني خط الموت، أين خط الموت، فوقف عليه السلطان -الحاجب هو الذي يحكي حكاية- يقول: وأنا أعلم أنه مقتول، ثم يركب ابن تيمية الفرس ويدخل في المغول ويقسم بالله: إننا لمنصورون هذه المرة، وذهب إلى غازان قائد التتار، فقال له: نحن مسلمون، لماذا تخافون منا؟ الرجل يدعي أنه مسلم وعنده قاضٍ ومؤذن ورجل يؤم المسلمين شيخ الإسلام ابن تيمية علم أنه سيغرر بالناس، فدخل عليهم شيخ الإسلام ومعه أعيان البلد.
يقول أحد العلماء الذين حضروا الموقف: كان ابن تيمية يكلم غازان بكلامٍ شديد، وأنا أجمع ثيابي حتى لا يصيبني دم ابن تيمية، وكنا نقول: إنه لن يخرج حياً إنه سيقتله؛ من شدة الكلام الذي وجهه له.
ومما قال له: أنت تزعم أنك مسلم؟ أبوك كان كافراً وجدك كان كافراً فوفيا وغدرت، وكان غازان يتلطف معه، ويمسك على كتفه، ثم قال له: ادع لي يا مولانا! هنا يتبين العالم الذكي، وهنا تتضح الدعوة الناضجة قال: نعم، اللهم إن كان عبدك هذا خرج لتكون كلمتك هي العليا فانصره، وإن كان خرج رياءً وبطراً فاقتله، قالوا: فكان يدعو عليه وهو يؤمن، وخرج إلى الشام مظفراً وقد قال له العلماء والدعاة: لا نتبعك بعد الآن، سوف نقتل جميعاً بسببك، قال: وأنا لا أتبعكم، قالوا: وتخلف شيخ الإسلام وتركناه وذهبنا راجعين إلى البلد، ورجع هو بعد خمسة أيام بصحبة ثلاثمائة راكب، شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الذي حصل له سنة (702) وبعدها كان المفروض أن يبجلوه، بعدما عرفوا قدره، لكن أهل البدعة الذين ناصبوا النبي صلى الله عليه وسلم العداء في هديه لا يستحون من عباد الله.